مخطط التقسيم والتفتيت في اليمن والمنطقة.. اللعب على المكشوف
المجالس الجهوية التي تشكلها بعض القوى والأحزاب في شرق اليمن أو غربه مثلًا، مغفل من يعتقد أن الهدف منها الحفاظ على وحدة اليمن، وسلامة أراضيه، أو أنها تريد إعادة الجنوب إلى باب اليمن كما يردد البعض.
الهدف الظاهر الذي يتصارع عليه اليمنيون لاستنفاد طاقاتهم وتمزيقهم أكثر، هو ذاك، باب اليمن، اليمن الاتحادي، الجنوب، لكن الهدف الخفي الذي بدأ يتجلى بوضوح، هو أن هذه المجالس الجهوية سوف تلعب دورًا محدودًا في المخطط، كما هو الحال في ما يحدث على رقعة الشطرنج، لأن الداعم والمتحكم باللعبة ليس غبيًا لهذا الحد الذي يتصوره البعض من المخدوعين والواهمين، الذين تمت دراسة نفسياتهم وتوجهاتهم جيدًا.
فالمكشوف اليوم أن هذه المجالس الجهوية أو القوات العسكرية والأمنية، التي تدفع مرتباتها وتسليحها ومؤنها من الخارج، ما هي إلا بيادق على رقعة الشطرنج يتم توظيفها في المخطط على مراحل مختلفة، يتواجد من خلالها الخارج أو الدول الخارجية في ما مضى بصورة غير رسمية ومباشرة، وعندما يتم تثبيت هذا التواجد تدريجيًا على الأرض، سوف تتغير وظيفة وخطاب هذه المجالس حسب طلب الداعم والمخرج لمواكبة المخطط، إلى أن يتم الوصول للمحطة الأخيرة، وهنا سوف يسند لهذه المجالس والأحلاف الجهوية غير الوطنية، مهمة إصدار البيانات وحشد الناس وجمع التوقيعات للمطالبة بانضمام مناطقهم ومحافظاتهم لهذه الدول الخارجية، وهذا حدث في السابق كبالونات اختبار، أما الآن فسوف يتكرر كواقع.
أما القوات العسكرية مثل الدروع وغيرها من التشكيلات الجهوية والمناطقية، فسوف يتم قطع المرتبات عنها في مرحلة من المراحل، وسوف يتم إيقاف تموينها بالتغذية والعتاد العسكري، حتى يتم تفكيكها وحلها، والسبب أن هذه القوات هي يمنية، معظمها مكونة من أبناء تلك المناطق المستهدفة، وبالتالي قد يخشون تمردها أو رفضها للأوامر، ولن يكونوا بحاجتها حينما تنتقل السيطرة من سيطرة غير مباشرة إلى سيطرة مباشرة ورسمية، وسوف يتم استبدالها بقوات خارجية من تلك الدول الطامعة أو بمرتزقة من دول أخرى.
طيب، قد يسأل البعض ما هو دور الحكومة في هذا المخطط؟ حسنًا، دور الحكومة هو تدمير مؤسسات الدولة من الداخل بالفساد والفوضى ونهب المال العام، وصولًا إلى حالة الغلاء وتعقد الحياة المعيشية للناس، وعدم القدرة على سداد المرتبات الشهرية، وصولًا إلى إفلاس الدولة وانهيارها الوشيك، وإيصال الناس أو الشعب إلى درجة الإحباط واليأس، الذي يدفعه للقبول بأي مشروع يقدم أو يفرض عليه من الخارج في ما بعد، حتى وإن كان على أساس خراب البلاد وضم أجزاء منها لدول أخرى.
هكذا هم يعتقدون ويخططون، لذا فالمخطط ماشي في كل الاتجاهات، بمشاركة قوى محلية سياسية ورسمية وغيرها، ونحن كما يبدو في المحطة قبل الأخيرة، وقد بدأت التحركات والإشارات الواضحة والصريحة من هذه الدول بعزمها الأكيد على تنفيذ المخطط بكل ثقة.
يقول البعض سوف نتحالف مع الحوثي، وسوف ندعوه لدخول الجنوب لمنع تحقيق هذا المخطط. والرد عليهم هو أن الحوثي وغيره من القوى هنا وهناك، إنما هم أدوات في هذا المخطط، وكلهم استلموا وباعوا، وعليهم من الملفات ما يجعلهم يتوارون خلف الشمس، ثم إن هذه القوى المحلية هل لا تعرف ما يحدث منذ سنوات؟ وهل هي غبية لهذا الحد؟ طبعًا لا، لأن كل هذه الأطراف بيد قوى إقليمية وغيرها، وهي مضمونة الجانب لديهم، وموعودون بالفتات، حينما يتم اقتسام الكعكة بين الكبار.
مخطط من البر والبحر، اقتسام البر واحتلاله، والسيطرة على البحر، ممرات وجزر وخلجان وموانئ، والمشهد ما عاد يحتاج إلى شرح أكثر مما يمكن للإنسان والمتابع العادي أن يفهمه ويدركه.
السؤال: لماذا الحرب الحالية في اليمن استمرت كل هذه السنوات وقابلة للاستمرار أكثر؟ الإجابة، إن هذه الحرب ليست شأنًا داخليًا يمكن للطرف الأقوى أن يحسمه، ويسيطر على البلد مثلما حدث في حرب 94 الظالمة مثلًا، التي كانت في معظمها شأنًا وصراعًا داخليًا، وإنما الحرب الحالية هي بالوكالة تخوضها الأطراف اليمنية لصالح قوى إقليمية متصارعة ومتنافسة، لذا لن يسمح لأحد الانتصار فيها والسيطرة على البلد حتى يكتمل المخطط، فضلًا عن قوى دولية تسعى إلى تقسيم المنطقة من جديد، وإضعاف الدول والشعوب، بهدف إعادة صياغتها والسيطرة عليها من جديد وفق مخطط قديم جديد.
السؤال: هل اليمن هي المستهدفة لوحدها؟ طبعًا لا، ولكن لأن موقع اليمن مهم جدًا من الناحية الجيوسياسية والاستراتيجية، ومن الناحية الاقتصادية بسبب الثروات الهائلة المتواجدة فيه وغير الظاهرة أو مكتشفة بشكل رسمي، وباعتباره محل أطماع تاريخية للدول والإمبراطوريات القديمة والحديثة على مر التاريخ، ولأسباب أخرى، فإنه يقع في صدارة هذا المخطط، لكن كان اليمن بشماله وجنوبه في كل هذه المراحل التي وقع فيها فريسة لهذه الأطماع والسيطرة الخارجية، بمثابة مقبرة للغزاة على مر التاريخ، وبشهادة التاريخ نفسه، وربما الحاضر أيضًا.
الشيء الآخر هناك دول أخرى في المنطقة استهدفت بالتقسيم، السودان مثلًا، قسم إلى جنوب وشمال، وحاليًا هناك مخطط لتقسيم الشمال إلى أكثر من دولة من خلال الحرب الدائرة هناك بين الجيش والدعم السريع، سوريا واقعة ضمن مخطط التقسيم، العراق، ليبيا، هناك تحديات كبيرة تواجه هذه الدول لتقسيمها وتمزيقها.
إذن، ماذا عن السعودية؟ السعودية ليست استثناء في كل ما يحدث في المنطقة من مخطط للتقسيم والتفتيت، ولكن ربما دورها مؤجل لبعض الوقت، فهناك من يريد توظيفها والاستفادة من دورها وإمكاناتها لتمزيق وتفتيت الدول المحيطة بها والمجاورة لها أولًا، ثم يأتي الدور عليها بكل هدوء وسلاسة، وبتوظيف الدول والشعوب المتضررة منها والغاضبة عليها ضدها، وكل الدول العربية الأخرى كانت كبيرة أو صغيرة مستهدفة أيضًا.
أما إيران فهي رأس الحربة في هذا المخطط الخطير لتقسيم وتفتيت المنطقة، عبر ضرب النسيج الاجتماعي والدولة الوطنية فيها، من خلال دورها المباشر أو عبر أذرعها وأدواتها المختلفة المنتشرة هنا وهناك، إيران تلعب دور القفاز والمحلل بالنسبة للغرب وإسرائيل لتحقيق أهدافهم وأطماعهم في المنطقة، والصورة واضحة لا تحتاج إلى رتوش، ولا تخدعنكم الشعارات والعنتريات، فالفيلم أكبر من أن يستوعب بسهولة، وحالة التناقضات التي يخلقها العدو والدوائر الاستخباراتية في المشهد، الهدف منها تغييب الحقيقة، وتتويه الناس عنها، كي يسهل انقيادهم وتصديقهم للشائعات والأكاذيب والمسرحيات، والتعامل معها بكونها حقائق.
نعود لليمن، ونتساءل: من يستطيع أن يفشل مخطط التقسيم والتفتيت وتدمير الشعب وتشريده؟ الإجابة: الشعب يستطيع أن يفعل ذلك، فرغم كل ما يحدث له فإنه يستطيع إذا أعاد تماسكه من جديد، وأيضًا التيارات والقوى الوطنية، التي لم تتلوث بالمال الخارجي المدنس، تستطيع أن توعي الناس وتحشد طاقاتهم للحفاظ على بلدهم ومصالحهم، وحماية وجودهم على أرضهم ومستقبلهم ومستقبل الأجيال، ثم يأتي دور العامل الخارجي، لربما هناك دول قد ترى في تقسيم اليمن وتشظيه خطرًا على المنطقة والعالم، لكن هذه الدول لن تتحرك إلا إذا تحركت القوى الوطنية الداخلية أولًا، وتحركت الناس، لرفض المخطط وأدواته وداعميه قبل كل شيء.
أما تصفية القضية الفلسطينية، بما يحدث في غزة وغيرها، فهو فصل من فصول هذا المخطط الكبير، وكل القضايا متداخلة، والأدوار متشابكة ومترابطة، واللعب على المكشوف الآن.
*تحليل سياسي خاص بمركز مسارات للاستراتيجيا والإعلام