الأرقام الصحيحة ثمار بلا ضجيج

كما ينساب الماء في الحقول ؛ بهدوء ألطف من رقة النسيم، فيشعل ثورة في الأرض تتوهج بالنبات من كل نوع بهيج، فيستوي على سوقه، فيعجب الزراع، و يؤنس النظار، و كما ينتشر الضوء ؛ ليطوي الظلمة، و ينير الدروب، فتنتعش الحياة  ثمارا و نورا.

  هكذا تنساب الأرقام الصحيحة في عملها، تضع خطوتها الأولى بثبات، و تتابع الخطو بثقة، فتواصل السير دون تردد، و تمضي فيه بلا تخاذل . تبدأ خطواتها الأولى، غير عابئة بمشقة الطريق، و لا آبهة بمتاعبها ؛ لأنها تستلذ بذلك النور الذي يتراءى لها وميضه على جنبات الطريق، و في كل حين ، فتجتهد معه أن يكون - يوما - فجرا ساطعا، و نورا مبينا.

  بهذه الروح، و هذا العزم سلك الأستاذ مهيوب سعيد مدهش طريقه في العمل و الحياة .

نزل أرض الجنتين، فاستدعى تاريخها الوضي، و حاضرها الفتي، فقلّب صفحات تاريخها، و استنهض همم فتيانها، و بدلا من : ( فأعرَضوا) في زمن غبَر ؛ إذا هو و فتيانها يؤمون صفحات تاريخ قد أشرق ( أتاكم أهل اليمن ) ، فمضى ينساب كجريان الماء،  يمسح  القلوب بسحر النسيم، و يدغدغ النفوس كهواء عليل، و يسقي الزرع بماء طهور ؛ فإذا الخمْط و قد غدا نخلا باسقات لها طلع نضيد، وإذا الأثل و قد أصبحت جنتاه تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.. ثم تكشف مأرب عن معدنها، فإذا هي ذات قوة و رأي سديد، و إذا هي حصن الجمهورية الحصين، بحبل من الله، و حبل من رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه،  و بفتية آمنوا بربهم، استنبتوا - بفضل الله - الصحراء، و استعادوا الجنتين .

 للسيل في قمم الجبال و منحنياتها هدير و قصف، لكنه إذا ما خالط السهول و الوهاد، سار منسابا رقراقا، يذوب رقة، و يثور نباتا، و شجرا ، و براعم، و زهورا، و ثمارا .. فحياة !

 رحم الله الاستاذ المدهش  ؛ مهيوب سعيد مدهش،  كان هذا نهجه و منهجه ، و سيره و فلسفته في ميدان البناء و العمل التربوي المبدع .

 هذا الرقم الصحيح الذي أثمر بلا ضجيج، يذكرني بأرقام حبيبة كريمة كان لها نفس طريقة و فلسفة استاذنا المدهش ، أتذكر(بعضا) من هؤلاء الاساتذة الكرام ممن قد قضوا نحبهم ؛ أتذكر عبدالله عبدالله  قشوة ، أتذكر أحمد عبد الواسع الذبحاني ، أتذكر فيصل عبدالعزيز الضلعي ،             و آخرون غيرهم في كل محافظة ، و ليس هنا مجال حصرهم . و في الأحياء  - مدّ الله بأعمارهم - أرقام ما تزال تعطي و تثابر، تعمل بلا كلل، و تواصل السير بلا أنين، نحسبهم جميعا في الأتقياء الأخفياء ، و الله الكبير المتعال - سبحانه - هو من يتولى جزاء الجميع .
 
 إن نكران الذات مركب صعب، و لا يقوَى عليه إلا رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فحظ النفس رفيق نزق، و صاحب ضار، و السعيد من طوى هذا (الحظ) و رمى به وراء ظهره .

 فنكران الذات روحه توفيق الله عز وجل، و خيريّته الاستمرار عليه  بلا ملل ، و الديمومة بلا ضجر .

وضَعَ الأخفياء الاتقياء معالم، لم يعالنو ابها؛ و إنما دلت عليها أعمالهم، و دفعت بهم إلى الواجهة أفعالهم، دون سعي منهم في حب الظهور ، و لكن :
 
           و كن رجلا إن أتو بعده    يقولون مَرّ و هذا الأثر
 
فيا أيها الجادّون، و يا أيها الأوفياء، تعالوا نَعَضُّ على تلك التجارب بالنواجذ ، و نأخذ بتلك الأخلاق بقوة، و نمضي على خُطا تلك الهامات و بنكرانِ ذات .
 
رحم الله الاستاذ مهيوب سعيد مدهش، رحمة الأبرار، و رحم كل من مضى من الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه و ما بدلوا تبديلا.

مقالات الكاتب