النفاق الدولي

قبل أيام أدلى المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة  بكلام له أهميته ؛ و لا يقلل من شأنه أن يقول البعض أنه قال كلاما معروفا .     

قال الرجل أنه طعن في الظهر ، فبينما كان هو يسعى من جانبه  لإنجاح مهمته، كان هناك في المقابل ؛ و من دول بمجلس الامن ، من يسعى لإفشال مساعيه، واصفا بعض دول مجلس الأمن بأنها ميتة الضمير ! و أن ما يسود  مجلس الأمن هو النفاق !       

ليس موضوع هذه السطور تقويم أداء المبعوث الأممي إلى ليبيا، و لا الحديث عن مهمته هناك، غير أن هذه السطور تريد أن تقول بأن ما قاله غسان سلامة كان مهما، بل كان مهما جدا ؛ لأنه جاء ليكشف جزءا يسيرا من عبث المجتمع الدولي بمقدرات و حريات الشعوب، و أنه و من أجل مصالح تلك الدول التي بلا ضمير - بحسب ما قال - أو تلك التي تطعن في الظهر - وفق تصريحاته - لا تهمها حرية الشعوب، و لا سلامة و أمن الدول، و إنما يهمها تحقيق مصالحها و مصالحها فقط ؛ و لو على حساب بلاد العالم و شعوبها !    

كما أن أهمية كلام الرجل، أنه جاء من الداخل، و على قاعدة : و شهد شاهد من أهلها.       

كيمنيين، لا نذهب بعيدا و لننظر نظرة سريعة إلى تحركات المبعوث الأممي إلى اليمن ؛ المستر جريفيث . نستطيع القول أنه عرف من أين تؤكل الكتف ؟ فأكل بشراهة ، في ظل تلك الضمائر الميتة.     

فهو أولا : قادم من دولة لها تاريخها الاستعماري، تشرب سياستها، و ترجم رغباتها طوال عمره الوظيفي مع دولته الاستعمارية تلك، التي لم تكن تغرب عنها الشمس، و ثانيا : و بفضل أن خلفيته الثقافية و السياسية استعمارية، فإنه يعرف خبايا و خفايا و رغبات المجتمع الدولي، فتماهى مع تلك الرغبات التي تدوس على الحقوق و الحريات، و على الإنسانية بمكر و دهاء خبيثين ؛ و تهتم - بأنانية تتبرأ منها الإنسانية - في كيفية الحصول على مصالحها، التي قد تأتي عبر التمكين للمستبد، أو بالتخطيط لتنفيذ انقلاب ديكتاتوري سلطوي، أو بدعم و مساندة عصابات مسلحة و متمردة، أو من خلال نشر مرتزقة، أو بتبني جماعات عنف مصنّعة، أو بقيام الدول  ميتة الضمير، أو التي بيدها خنجر الغدر  - الذي يجيد الطعن في الظهر - بتحريك لأدواتها في هذه المنطقة أو تلك، و كل ذلك وفق مصالح و منافع دوال الغدر أو ميتة الضمير في مجلس الأمن  !!       

ما قاله غسان سلامة لن يقوله - بكل تأكيد - المستر جريفيث ، و إذا كان غسان سلامة - كما تعتقد هذه السطور  - لم يستطع أن يحتمل الاستمرار و العمل في ذلك الوسط الدولي الموبوء بنوايا الغدر و بضمائر ميتة ، فإن هذه السطور على يقين من أن حظ الشعب اليمني مع جريفيث، كحظ بعض الدول العربية في بيعها - دَيناْ - لمواقفها للكيان الصهيوني ! و بالتالي فسوف يستمر هذا المبعوث في بيع الوهم لليمنيين من جهة ،  و الإمساك بخنجر الغدر مدفوعا بضمير غير حي لمزاولة العمل في مهمة غير نظيفة من جهة اخرى !       

تحتاج شعوب العالم إلى مواقف عملية يثبت معها المجتمع الدولي أنه يعمل لصالح الحفاظ على أمن الشعوب و استقرارها . 

هذه أمنية بلهاء في الحقيقة؛ لأن الأيام و الأحداث تثبت أن المجتمع الدولي لا يحل مشاكل العالم، و مزاعم أن هناك شرعية دولية تحفظ  مصالح الشعوب و الدول، فهذه المقولة نكتة سخيفة سمجة، فالواقع يبرهن أنه يدير الصراع مباشرة وفق مسارات تخدم مصالح و منافع دول الغدر و الضمائر الميتة . 

فأمام كل مشكلة في أي مكان من دول العالم النامي تجد على السطح التعاطي الإعلامي مع تلك المشكلة، و لكنك تجد في العمق شراهة مصالح دول تلك الضمائر و خناجر الغدر ، و هي قناعة أفصحت عنها  شهادة شاهد من أهلها . 

مقالات الكاتب