أمجد ناصر...شاعر من البادية

 

الشاعر...
الصديق...
البدوي النبيل...
المقاتل العنيد...
الخارج من حنين الإبل في البوادي...
الناجي من بين أزيز الرصاص في بيروت...
القادم بدهشة البدوي إلى لندن...

ربطتني به صداقة عميقة...
التقينا في صحيفة...
ظهرنا على شاشة...
وتجاذبنا أطراف الهم في مقهى لندني...
عرفته قبل أن أسافر إلى لندن...
ألتقيته أول مرة في قصيدة لشاعرنا الكبير الدكتور عبدالعزيز المقالح مهداة "إلى أمجد ناصر متدثراً بشتاء لندن"...
ثم عرفته في "القدس العربي"، قبل سنوات بعيدة، حين كان ينشر لي بعضاً من قصائدي...

وجدت أمجد دافئ الحس كرمال باديتنا العربية التي كنت أتمدد عليها ساعات طويلة في الليل، وأعد نجوم سمائها...
وجدته خارجاً من حكايات الرعاة في الخيام...
وقادماً من تاريخ فرسان العرب...

ذكرني أمجد بأبي...
أخي الأكبر...
كل الرجال الذين ينسلون من ذرات رمال بوادي بلاد العرب...
وجدته بدوياً في بساطته ورجولته...
فيلسوفاً في عمقه وثراء معناه...
لندنياً في ذوقه وبذاخة مراميه...
وشاعراً في كلاماته وأفعاله...

أنا وأمجد أبناء الصحراء...
هو بدوي أردني وأنا بدوي من اليمن...
جمعتنا لندن 
وفرقنا المرض الذي بسببه غادر إلى الأردن ليندس في حضن أمنا الصحراء...

اليوم يهاجم المرض دماغ أمجد الكبير...
المرض الذي لو كان رجلاً لما انسل خلسة إلى جمجمة أحد رجال الصحراء الخالدين.
رجل قاوم المرض شهوراً طوييييييييلة... 

لك السلامة يا أمجد
لك المجد يا أمجد
لك الشفاء يا ابن أمي
أمي البادية
أمنا الأبدية...

قرأته نصه التالي فأجهشت روحي بدمع كثير ورمل أكثر:

راية بيضاء

أمجد ناصر  
في آخر زيارة إلى طبيبي في مستشفى تشرينغ كروس في لندن. كانت صور الرنين المغناطيسي عنده. من علامات وجهه شعرت بنذير سوء. قال من دون تأخير: الصور الأخيرة لدماغك أظهرت للأسف تقدماً للورم وليس حداً له أو احتواء، كما كنا نأمل من العلاج المزدوج الكيمو والإشعاعي.
كان مساعده دكتور سليم ينظر إلى وجهي وفي عيني مباشرة، ربما ليعرف رد فعلي.
قلت: ماذا يعني ذلك؟
قال: يعني أن العلاج فشل في وجه الورم.
قلت: والآن ماذا سنفعل؟
رد: بالنسبة للعلاج، لا شيء. لقد جربنا ما هو متوافر لدينا.
وفي ما يخصني ماذا عليّ أن أفعل؟
قال: أن ترتب أوضاعك. وتكتب وصيتك!
قلت: هذا يعني نهاية المطاف بالنسبة لي.
ردّ: للأسف.. سنحاول أن تكون أيامك الأخيرة أقلّ ألماً. ولكننا لا نستطيع أن نفعل اكثر.
قبل أن أغادره قال: هذه آخر مرة تأتي فيها إلى عيادتي. سنحولك إلى الهوسبيس. وكانت آخر مرة سمعت فيها هذه الكلمة، عندما دخلت صديقة عراقية أصيبت بالسرطان في المرحلة النهائية. يبدو أن الهوسبيس مرفق للمحتضرين أو من هم على وشك ذلك.
قلت له: لدي أكثر من كتاب أعمل عليه، وأريد أن أعرف الوقت.
حدد وقتاً قصيراً، لكنه أضاف هذا ليس حساباً رياضياً أو رياضيات. فلا تتوقّف عنده.

مقالات الكاتب