ثورات الربيع والغرب

اعتقد ان الغرب والولايات المتحدة يعانيان من ارتباك كبير ازاء حركة الشعوب في دول الربيع العربي وتوجهات انظمتها الجديدة، فكما لم يتمكنا من التنبوء بثورات الربيع التي مثلت حدثاً صادماً بالنسبة لهم،يشعران حاليا بمخاوف كبيرة كما يبدو تجاه توجهات الانظمة وهي مخاوف غير مبررة اطلاقاً إذ أن الربيع العربي هو تعبيراً حقيقياً وطبيعياً عن تطلعات الشعوب التي ملت الاستبداد وعانت منه كثيراً،ذلك الاستبداد الذي افرز عداءً ضد الغرب والولايات المتحدة من قبل الشعوب حيث لعبا دوراً كبيراً في دعمه والتغطية على افعاله الشنيعة طوال عقود خلت،وبالتالي فإن وجود انظمة تفرزها ثورات شعبية وعمليات ديمقراطية نزيهة تكون معبرة عن تطلعات شعبية لطالما عانت من الاستبعاد والاقصاء عقوداً من الزمان هو مدعاة للتفاؤل بعلاقات ممتازة مع العالم مادام هو احترم تلك الإرادة ورحب بها ودعمها إذ لاغنى لانظمة الربيع عن علاقات التعاون الاقتصادية مع الغرب وفي المقدمة امريكا لكنها بالضرورة لابد أن تكون علاقات مواكبة للتحولات الجديدة التي تشهدها شعوب المنطقة نحو الحرية والكرامة والسيادة وإلا فإنها ستدفع إلى المزيد من السخط على الحكومات والانظمة وهذا ما لا يمكن القبول به في تصوري لدى الزعماء والقادة الجدد الذين جاءت بهم ثورات عظيمة وعليهم ان يضبطوا ايقاع السياسة والعلاقات الدولية بما يتواكب مع تطلعات وحركة شعوبهم لا بمعزل عنها حتى يتمكنوا بلعبة سياسية ذكية لاتعادي ولا تمالي ولاتجلب عليهم سخط الشعوب من العمل على بناء مجتمعاتهم ودولهم على أسس سليمة تساعد على النمو والتقدم وإحلال الأمن والسلام في الداخل والحفاظ على أمن الأخرين من الاشقاء والاصدقاء.

 

ثورات الربيع العربي..في سلميتها فلسفة عميقة إذ هي تهدف إلى انشاء مجتمع سلمي وتعمل على القضاء تدريجياً على العنف والارهاب وحينما يتشرب المجتمع فكرة السلمية يعمل هو مباشرة على محاصرة بؤر العنف وتجفيف منابعها وهذا أمر حدث اثناء الثورة حيث اسهم المجتمع في تنظيم نفسه في مواجهة التنظيمات المتطرفة والارهابية وطردها من مناطق عدة في جنوب اليمن بمساعدة قوات الجيش والأمن وهذا يدل دلالة كبيرة ان ثورات الربيع تهدف إلى انشاء مجتمعات سلمية طاردة للعنف والارهاب ويعد ذلك مؤشراً ايجابياً على تطمينات كبيرة تقدمها ثورات الربيع لامريكا والغرب فيما يتعلق بالتعامل مع الارهاب وامكانية التخلص منه مستقبلاً.

 

في تصوري أن هناك من المفكرين العرب استبق هذه المرة الغرب وامركيا في التنبوء بثورات الربيع العربي وليس هذا فحسب وانما بمواقف الغرب وتوجهاتهم تجاهها واطلقوا في مرحلة متقدمة تطمينات كبيرة انه لاخوف من ثورات الربيع العربي ولا من الانظمة التي ستفرزها فما تشهده المنطقة العربية هو حالة غير مسبوقة من التحولات العظيمة التي تقودها الشعوب وبالتالي فإن الوقوف امامها لايخدم امريكا والغرب بل ربما يقود الى سخط كبير وردات فعل شعبية لايمكن قياس تاثيرها والافضل هو الاحتفاظ بالموضوعية في التعاطي معها وترك التحولات تمضي والتي اخالها سوف تساهم في تحقيق الامن والسلم للمنطقة والعالم من خلال عمليات بناء حقيقية سوف تشهدها دول الربيع للانتقال من عصر الاستبداد إلى عصر الحرية والتقدم وهي عملية تحتاج إلى دعم وتضافر جهود الجميع عربياً ودولياً.