“ولاية علي” أم “ولاية عبدالملك”؟

 كل جمعة يكون اليمنيون على موعد مع خطباء جماعة الحوثي، ينفثون في المصلين سمومهم الطائفية.

خطيب الجمعة في جامع الفتح بالسنينة، وخطباء في أحياء الروضة والجراف، وغيرها في العاصمة والمحافظات الأخرى التي لا يزال هؤلاء “المعتوهون” يسيطرون عليها، هؤلاء الخطباء يخطبون في الناس بطريقة من يريد تحويل مجرى التاريخ العربي والإسلامي، ويتحدثون عن أن اليمنيين في العقود الأخيرة استوردوا دينهم من “السعودية الوهابية التكفيرية”. على اعتبار أن محمداً بن عبدالله ولد في مدينة “قم”، التي استورد هؤلاء الخطباء منها أفكارهم الطائفية المقيتة.


هؤلاء الخطباء يحدثون الناس اليوم حكايات “ألف ليلة وليلة”: عن “عمر” الذي كسر ضلع “فاطمة”، و”على” الذي اختبأ في البيت خوفاً على نفسه من القتل، وهو يسمع زوجته تصرخ بعد أن كُسر ضلعها، كما ورد في الرواية الإيرانية الشعبوية، التي خرجت من دفة الكتاب الذي يروي حكايات شهرزاد لشهريار على مدى “ألف ليلة وليلة”، أو ألف سنة وسنة.


يقول الخطيب الحوثي عن الدين الذي يسوي بين الخلفاء الأربعة، ولا يقسم الجيل الأول من المسلمين إلى “صحابة مرتدين ظالمين” و”قرابة مؤمنين مظلومين”، ولا يميز الناس إلى سلالة “حاكمة” وأخرى “محكومة”، الدين الذي ينكر حكايات “شهرزاد الحوثية” بأنه دين استورده “التكفيريون” من السعودية، ناسياً أن المسلمين على ذلك من قبل أن تولد الدولة السعودية المعاصرة سنة 1902.


كل من لا يؤمن بما عليه الطائفيون الحوثيون الذين يريدون التفرقة بين الصحابة والقرابة، بين السنة والشيعة، بين الرسول والرسالة، كل من عدا الحوثي هو تكفيري وإرهابي.


الشافعية والمالكية والحنابلة والأحناف الذين لا يؤمنون بخرافة “كسر الضلع” التي يسوقها “الروزخانيون” الجدد في صنعاء هم تكفيريون. الصوفيون الذين لا يقرؤون من ملازم الحوثي تكفيريون، والإخوان والسلفيون تكفيريون، وحتى جماعة التبليغ التي لا تتدخل في السياسة، هي تكفيرية كذلك، ما لم تؤمن بروايات شهرزاد التي ترويها لـ”الملك” الحوثي في القصر “الجمهوري” كل ليلة في صنعاء.

هل انتهت الحكاية؟

لا. لم يدرك شهرزاد الصباح بعد.


اسمعوا هذه: وزارة التربية والتعليم التي يسيطر عليها الحوثيون عن طريق نائب الوزير ومندوبي لجانهم الفاسدة، بدأت تعطي دروساً في مدارس “الجمهورية” عن التاريخ المشرق لـ”الأئمة” في اليمن، وبدأ الطائفيون السلاليون يحدثون أطفالنا عن “انقلاب السلال الخائن”، ضد “الإمام العادل أحمد حميد الدين”، وعن جريمة علي ناصر القردي الذي اغتال ظلماً “الإمام الزاهد” يحيى حميد الدين، وكأن القردعي لم يأخذ فتواه من علماء الزيدية أنفسهم – وعلى رأسهم الإمام عبدالله بن الوزير – بجواز الخروج على يحيى حميد الدين لظلمه وجوره.


يقول أستاذ جامعي في إحدى كليات جامعة صنعاء لعدد من طلبته إن عبدالملك الحوثي هو “إمام الهدى، طاعته واجبة، والخروج عليه كفر”، ناسياً أن العلامة الزيدي محمد عبدالعظيم العمري أفتى بأن الحوثيين “أخطر من اليهود والنصارى”.


ماذا يريد الحوثيون بالضبط؟ ما هي الحكاية الحقيقية؟ ما هو الكلام الذي سكتت عنه شهرزاد؟


صدقوني يا قراء، يا أعزاء: لو قلنا للحوثيين إن علي بن أبي طالب هو الأفضل، وهو الإمام الذي لا قبله، ولا بعده،، وإن غيره من الخلفاء ليسوا أئمة، ولو أقررنا بولاية علي التكوينية والدينية والسياسية. ولو لطمنا على الحسين، وبكينا على الحسن، وزيد، ولو كسرنا ضلوعنا حزنا على “ضلع فاطمة”، ولو لعنَّا “أبو الأمويين والعباسيين، النواصب بني النواصب، بني هند أكَّالة الكبود، الطلقاء بني الطلقاء”، إلى يوم الدين، ولو حلفنا على صدقنا في ذلك بـ”أهل الكساء” الطيبين الطاهرين، وبرأس عبدالملك بن بدرالدين، لو فعلنا كل ذلك، لما تركنا الحوثيون، حتى نؤمن بما هو أهم من ذلك كله لديهم، وهو أن الله أمرنا بولاية “سيدي ومولاي عبدالملك بدرالدين الحوثي”، حسب شعار البيعة الحوثية.

“هل عرفتم كلمة السر إذن؟
هل عرفتم ما سكتت عنه شهرزاد في حكاياتها العجيبة؟

“ولاية عبدالملك”، السلطة، الثروة، إنها كلمة السر، وهي أهم من “ولاية علي”، وما إصرارهم على “ولاية علي”، إلا لإثبات “ولاية عبدالملك”.


ومن أجل “ولاية عبدالملك”، يموّه علينا الحوثيون بحكايات علي وعمر، وكربلاء والحسين، والضلع المكسور، وخرافة الجنين الذي أجهض، ومن أجلها بدأت شهرزاد حكاياتها الطويلة لملك اليمن السعيد، محمد علي الحوثي.


وما إصرار الحوثي وجميع زعامات “التشيع السياسي” على إثبات “ولاية علي” إلا لكي يقرروا سلطة الحوثي ونصرالله والخامنئي، وغيرهم من الطامحين السياسيين الذين يوظفون “ولاية علي”، لإثبات سلطة “الولي الفقيه”.


على كلٍ. الحوثيون لا يعملون للدين، ولكن للسلطة، ولا لآل البيت ولكن للزكوات والأخماس، ولا يفكرون في “ابن أبي طالب”، ولكن في “ابن بدرالدين”.


وصدقوني أن فيهم غالبية غير ملتزمة – أصلاً – بالواجبات الدينية، ولكنهم يريدون منا أن نعطيهم سلطة بلادنا، وأخماس وزكوات أموالنا، وبعد ذلك لا يهمهم ذهبنا إلى “جنة أهل البيت”، أم إلى “جحيم هند بنت عتبة”.


تلك هي الحكاية الحقيقية، وما عداها “باطل الأباطيل وقبض الريح”.
وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح.


من صفحة الكاتب على الفيسبوك

مقالات الكاتب