ماذا بعد استهداف ياسين سعيد ؟
أثارت محاولة الاغتيال التي تعرض لها د. يس سعيد نعمان الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني، مساء الإثنين 27/8/2012م ردود أفعال غاضبة في معظم محافظات اليمن ولدى معظم القوى والتيارات والمكونات السياسية ومنظمات المجتمع المدني المختلفة وبين شباب الثورة والحراك السلمي الجنوبي، نظرا للمكانة الهامة التي يمثلها الرجل ولما يحظى به الرجل لدى كل الأوساط من احترام وتقدير حتى لدى الذين يخالفونه الرأي أو لا يتفقون معه في العديد من الرؤى والتوجهات.
المحاولة تطرح جملة من الأسئلة الشائكة التي قد لا تختلف كثيرا عن تلك المتصلة بسلسلة الأعمال الإجرامية التي استهدفت أفرادا من القيادات الوطنية والعسكرية اليمنية، أو جماعات عسكرية أو مدنية وأودى بعضها بحياة المئات من المستهدفين، إذ إنها تكشف لنا عن استفحال عقلية الإجرام والانتقام والتصفيات الجسدية لدى فئة من الناس لا تطمئن ولا يستقر لها قرار إلا على مرأى الدم وأنين المصابين ودموع اليتامى والثكالى، لكن ما يميز الحادثة الأخيرة هو أنها استهدفت شخصية وطنية ذات اعتبار خاص في الحياة السياسية اليمنية، . . شخصية ذات وزن وطني ثقيل ومكانة سياسية متميزة يعرفها القاصي والداني من اليمنيين وغير اليمنيين ممن يهتمون بالمشهد السياسي اليمني.
استهداف د. يس نعمان، ليس استهدافا للشخص ذاته فالرجل لم يدخل في نزاع مع أحد قط لا على قضايا شخصية ولا على خلفية حقوقية أو جنائية، بقدر ما يمثل استهدافا للفكرة والمشروع اللذان يحملهما الرجل، فالمعروف أن د. يس أحد الذين يحملون مشروعا كبيرا لليمن كل اليمن، مشروعا ينطوي على قيام الدولة المدنية، دولة المواطنة والنظام والقانون والدستور، كما من المعروف أنه صاحب فكرة إعادة صياغة المشروع الوحدوي على النحوي الذي يمكن من إعادة بناء منظومة الشراكة الوطنية بما يعيد الاعتبار للجنوب ويمكنه (أي الجنوب) من استعادة مكانته الطبيعية في المعادلة السياسية اليمنية، وفضلا عن كل ذلك فالرجل صاحب مكانة وخبرة اقتصادية يمكن أن تساهم بقدر كبير في تحقيق النهوض الاقتصادي من خلال مكافحة الفساد، وتصحيح معادلة السلطة والثروة بما يؤمن تنمية مستدامة ومتناسقة للبلد بما يجنبها مخاطر التفكك والتشظي الذين ما تزال عواملهما قائمة منذ عقود.
د. يس الذي يحظى بحب واحترام الكبار والصغار والسياسيين وغير السياسيين في اليمن، لا شك أن له خصومه السياسيين الكثر، لكن ما لم يكن يتوقعه الكثيرون من ذوي النوايا الحسنة، هو أن تصل الخصومة إلى درجة التفكير بالتصفية الجسدية لهامة وطنية بحجم ومكانة د يس سعيد نعمان لتصفية خلاف سياسي يمكن معالجته بالحوار وتبادل الحجج وتلاقح الأفكار والرؤى المتباينة، . . . قلت "ذوي النوايا الحسنة" لأنني أعرف أن أصحاب النوايا السيئة موجودون والكثير منهم ما يزال يمسك بالعديد من الأدوات القادرة على تدمير البيئة السياسية كاملة، في سبيل مآرب شخصية وفئوية وجهوية قد لا تتفق مع مبادرات وأفكار وأطروحات ورؤى د. يس سعيد نعمان وسواه من الوطنيين الشرفاء.
حادثة استهداف الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني التي سبقتها عدة محاولات استهدفت د. واعد عبد الله با ذيب وزير النقل وعضو المكتب السياسي لنفس الحزب، أعادتنا إلى أجواء الفترة التي أعقبت إعلان الوحدة في العام 1990م حينما صار كل اشتراكي مشروع شهيد لا لشيء إلا لأن الاشتراكيين أتوا بمشروع غريب على الكثير من السياسيين المستقبلين لهم.
اليوم ومع ارتفاع الأصوات المنادية بالدولة المدنية، القائمة على النظام والقانون والمواطنة المتساوية، التي يتساوى فيها الغني والفقير، والوزير والغفير والصغير والكبير، والدعوة إلى مشروع المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية، وهذا ما لا يرضاه الكثير من أصحاب الوجاهات والمتنفذين وذوي المصالح غير المشروعة الذين يشعرون بأن الدولة المدنية ستشكل خطرا على تلك المصالح، أو ممن يعتقدون أن مشروع العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية سيلحق بهم أضرارا أو يؤدي إلى فتح ملفات لا يرغبون في فتحها،. . . مع تزايد هذه الأصوات يعود مسلسل التهديدات ومحاولات الاغتيال، مما يعني أن موضوع الدولة، مدنية كانت أو حتى غير مدنية، أو مشروع العدالة، انتقالية كانت أو غير انتقالية، لن يمرا على طريق معبد بالسجاد، بل يتطلبا حشد أوسع القوى والطاقات للوصول إلى هذه الغايات المؤجلة منذ عقود.
لربما كان من بين أهداف هذه الحادثة محاولة خلط الأوراق والحيلولة دون تنفيذ متطلبات التسوية السياسية في اليمن، وضرب قوى الحداثة التي يمثل د. يس نعمان والحزب الذي يتزعمه أحد الركائز الأساسية الممثلة لها.
إن كثير من القوى المتنفذة ترغب في دفع الحزب الاشتراكي اليمني وأصدقاء وأنصار د. يس وهم كثر وفي كل الأحزاب والقوى السياسية، إلى تبني مواقف متطرفة قد تقود إلى نتائج مدمرة باتجاه تعميق الشرخ الوطني من خلال استهداف شخصية تتصف بالعقلانية والبحث عن مشروع كبير يخرج اليمنيين من دائرة المراوحة والدوران في الحلقات المفرغة، والاتجاه نحو الأهداف الكبيرة.
إن استمرار استهداف القادة السياسين يعبر بجلاء عن مخاطر استمرار الانقسام في المؤسسة الأمنية والعسكرية، ذلك أن استمرار هذه الحالة يوفر آلاف الفرص للعابثين بالأمن والاستقرار لممارسة هوايتهم وتوسيع دائرة الدم والعنف والقتل، وبعدها سيكون من السهل إصدار بيانات الإدانة والاعتذار وبرقيات العزاء، كما اعتدنا مع عشرات الحالات منذ الشهيد حسن الحريبي إلى ماجد مرشد وليس أخيرا الشهيد جار الله عمر.
ما يضحك ويبكي في آن واحد أن الطرفين المسيطرين على المؤسسة الأمنية والعسكرية، أنكرا صلتهما بحادثة استهداف د. يس سعيد نعمان، وذهب أنصار كل منهما ليتهموا الطرف الآخر، وهو ما يعني أن الانقسام قد تحول إلى وسيلة لاستهداف كل من لا يروق للمتنفذين، كما أنكر وزير الداخلية وجود نقطة أمنية في منطقة الحادثة، وبالتالي سيكون على رئيس الجمهورية الإسراع لحسم قضية استعادة المؤسسات العسكرية والأمنية من خاطفيها، ووضعها تحت سلطة واحدة، وإعادة صياغة وظائف تلك المؤسسات بما يحولها من مؤسسات تابعة لأفراد إلى مؤسسات وطنية تخدم الوطن وتحمي أبناءه وتجسد مصالحهم، وإلا فإن القادم لن يكون خيرا، لا لدعاة الدولة والنظام والقانون ولا لمن يتمنون استمرار التفكك والانقسام والعبث.
برقيات:
*الذين يعتقدون أن سياسة التصفيات الجسدية للشخصيات الوطنية سيمر دونما تبعات واهمون، ذلك أن لكل فعل رد فعل، قد لا يكون مساويا له في القوة بل إنه قد يكون أضعافا مضاعفة عندما يتعلق الأمر بالسلام الوطني وباستهداف القادة الوطنيين الشرفاء بينما يبقى القتلة واللصوص وآكلي السحت وناهبي المال العام محصنين حتى من مجرد المساءلة.
*استهداف د. يس سعيد نعمان يمثل رسالة لكل الشرفاء والوطنيين من كل الأحزاب والتنظيمات، فحواها أنه لا أحد بمأمن عن الاستهداف طالما اكتفوا ببيانات الإدانة وبرقيات العزاء، وهو ما يحتم استتباع تلك المواقف بملاحقة الجناة واتخاذ الجزاءات الرادعة التي تجعل هواة القتل والعبث يحسبون ألف حساب قبل كل فعلة يفكرون بالإقدام عليها.
* قال الشاعر الشهيد محمد محمود الزبيري
كان أحرى ان تطلبوا الشعب كي يضـ ــفي رضاه عنكم وكي يتغمد
لا يـــــــــــــــــــغرنكم سكون من الما رد يبدي الخنوع وهو مصفد
يومه قادم فــــــــــــــــــــويل لمن وا جه يوم الحساب غير مزود
عجباً للـــــــــــــــجبان يستمنح الظلــ ــم أماناً والشعب أبقى وأخلد