مؤتمر القضية الجنوبية ومؤتمر الحوار
تعددية الآراء وتحريك الشارع بالفعاليات السياسية المدنية ..لاشك أنها ظاهرة صحية تتلمس فيها شعوبنا ومؤسساتنا أولى خطواتها على طريق الوعي الجماهيري العام وكتابة أولى أبجديات الثقافة السياسية والحضارية في إطار الربيع العربي وأجواء التغيير والتحولات في واقعنا الثقافي والسياسي والاجتماعي..وفي هذا السياق تأتي ملابسات الوضع اليمني كوضع استثنائي من حيث التفاصيل التي لازمت مسار الموجه الثورية اليمنية وطفت على سطحها قضايا هامة ومحورية باتت مثار خلاف عميق وجدل متشعب له أسبابه الموضوعية والذاتية..وتأتي القضية الجنوبية في هذا السياق كأهم الاستحقاقات المجمع على محوريتها والمختلف على شكل حلها ومضمون عدالتها كقضية حقوقية وسياسية وطنية تحت سقف الوحدة من جهة، أو كقضية مستقلة يشكل فيها البعد الجغرافي والهوية التاريخية الخاصة جوهر العدالة المطلوبة لحلها وإنعتاقها من الظلم والإلحاق ،كما ينادي بذلك مشروع فك الارتباط من جهة أخرى..ومن هنا بات الشارع الجنوبي منقسماً على نفسه تبعاً لهذه الآراء أو في حل وسط يجمع بين الأمرين ..ولكن خلاف الرأي لم يقف عند هذا المستوى بل تطور إلى خلاف على مستوى الرؤية الواحدة بما يدل على أن القضية - رغم عدالتها- لم تعد مبرراً لاهتمام ونضال مختلف الشخوص والنخب والمشاريع لذات القضية وحلها ؛ بل إلى هذا الزعيم أو ذاك بما يختزل مفهومها ومسوغ وجودها ومستقبل حلها في شخصه وشخص مشروعه، بغض النظر عن المعطيات الواقعية و الأبعاد الداخلية والخارجية والمبررات المنطقية..إن هذه المؤتمرات المنعقدة حول القضية الجنوبية دليل ومؤشر واضح على أن أرضية مؤتمر الحوار الوطني لازالت غير مؤهلة لبناء الخيمة المناسبة والمتسعة لجميع الأطراف لأن الحلول الإجرائية الممهدة والمساعدة للحوار لم تتم ويأتي على رأسها هيكلة الجيش والأمن والشروع في تنفيذ حزمة الحلول للمشكلات والمظالم والأراضي والمؤسسات المنهوبة ومحاكمات أولية لكبار اللصوص والمخلين بالأمن والإعلان عن الرؤية الاستراتيجية والخطط التنفيذية المطمأنة للرأي العام بترجمة التغيير في الواقع الاقتصادي والخدمي..وزاد على ذلك أن حكومة الوفاق لم ترقى إلى مستوى المسؤلية الوطنية البعيدة عن المماحكة السياسية وتحقيق المكاسب العاجلة واستغلال الموقف الهش للدولة في تعزيز وجود بعض الجهات المتنفذة في مواقع حساسة تعيد انتاج المحسوبية وصورة الدكتاتورية والاستحواذ وغياب معايير الكفاءة..
نتمنى أن يرتفع حجم الإحساس بالمسؤولية الوطنية لدى الطبقة السياسة والنخب المؤثرة وقادة الرأي العام في هذا اللحظة الحاسمة التي لها ما بعدها...