أوعية الوحدة..ورسائل عدن
الأوعية التي احتضنت مشروع الوحدة كانت مجرثمة كما يبدو وغير نظيفة، وبالتالي حدث نوع من التضاد بين مشروع نظيف وحضاري اسمه (الوحدة) وبين أوعية مجرثمة، فما كان من الوحدة إلا أن قامت بطرد الجراثيم واحداً تلو الآخر بين مرحلة وأخرى، إذ كان الحراك الجنوبي السلمي وثورة الشباب بمثابة عملية جراحية للكشط والتنظيف للأوعية الملوثة والبحث عن وعاء أو أوعية جديدة ونظيفة ليستقر فيه مشروع اليمنيين الحضاري الذي ناضل من أجله أجدادهم عقوداً من الزمان.
نأمل أن تكون الثورة في الجنوب والشمال بمثابة عمليات تنظيف وتعقيم للأوعية والجروح التي لوثت مسيرة المشروع الحضاري ومزقت النسيج الاجتماعي.. لتعيدهم مرة أخرى إلى تحت سقف واحد وعلم واحد جديد(لا هذا ولا ذاك) علم جديد ووطن جديد.. يجدون فيه تطلعاتهم المشروعة.
لقد بعثت الحشود الجماهيرية في عدن الجمعة الماضية رسائل متبادلة للقوى المتطرفة والعصبوية في الشمال والجنوب بأن عليها أن ترشد.. قبل أن يجرفها التيار.
حشود غفيرة احتشدت في ميادين الجنوب وعدن على وجه الخصوص، مؤيدين ورافضين للوحدة وفي تقديري أن ما بعثت به الجماهير من رسائل كان واضحاً وجلياً وفي حاجة لنخب سياسية ذكية لالتقاطها والبدء بتحويل تطلعات الناس إلى ممارسات وأفعال ميدانية تعيد الأمل لهم بإمكانية انجاز دولة حقيقية لا مجرد شعارات وكلام ومحاصصات بلهاء لا تهم الجماهير في شيء، حيث بلغ بها الظيم والظلم الزباء بقدر ما ترتب تموضعات قوى عصبوية على كراسي سلطة مهترئة لا تعبر عن تطلعاتهم وأمانيهم المستقبلية في العيش الكريم والأمن والحرية والعدالة.
الحراك السلمي ثورة عظيمة نقية وبيضاء كما هي ثورة الشباب نقية وبيضاء وينبغي على الشباب الحفاظ على هذا الرصيد الثوري الذي تحقق وتراكم وعدم السماح "للجراثيم" العودة مرة أخرى لتلويث قيمة الفعل الثوري واختطاف مشروع الثورات لإعادة ترتيب أوضاع قوى أنانية وأيدلوجية عصبوية بعيداً عن جماهير الشعب حاملة لواء التغيير وصانعة أهم وأعظم مشروع حضاري في تاريخ اليمن المعاصر ألا وهو "النضال السلمي" الذي ألهم العالم!
رسائل عدن بليغة وقوية بما يكفي وهي لا تحتاج لاجتماع وزاري أو حكومي هنا أوهناك أو دموع وتباكٍ على المنصات.. بل تحتاج لعمل حقيقي يتجه صوب قضايا الناس وقرارات تاريخية تعيد الأمل لهم بإعادة حقوقهم وتلبية مطالبهم ومن ثم الانتقال بهم إلى المستقبل على قطار اليمن الجديد.
حشود الجمعة قالت بصوت مرتفع "كلما قالوا الثورة انتهت..قلنا هذا مبتداها ".. شعب عظيم حقاً، مهما اختلفت الشعارات سيأتي اليوم الذي تتوحد فيه وأظنه بات قريباً.