مع من هذه الحشود؟
هذه اللحظة التاريخية والتحولات الكبرى لايجب قرائتها في سياق المواقف والمماحكات السياسية السابقة والآنية المرتبطة بصراعات المصالح وخلاف الزعامات وتصفية الحسابات والتسابق لجمع الحشود وتوظيف القدرات والامكانات في غير مكانها أو فيما ينوب عن مال سياسي ملوث .. هذا اللحظة أكبر بكثير مما يتوقع قصّار النظر وتجار الخلافات والأزمات ..إنها لحظة المخاض لوعي إنساني جديد بالحقوق العامة والخاصة وثقافة سياسية شعبية تتحرك فيها الجماهير لتفتش عن ذاتها المفقودة والمهدورة ..
نخطئ حين نقارن بسذاجة وسطحية هذا الزخم الحيوي الكبير لنربطه بفكرة: هؤلاء مع فلان وأولئك تحت زعامة علان ..الجماهير تتحرك اليوم بدافع أعمق من تفسيراتنا النمطية والتي يغلب فيها القياس على ماكان لا ماينبغي أن يكون..إن هذه الجموع الهادرة أضحت من الذكاء بحيث لايمكن خداعها واستغفال إرادتها وإن غلب عليها طابع الحماس أو التعصب - أحياناً - فذاك لأنها تعبر بمحض غريزة التصحيح ووسائل التعبير والحرية المصادرة من قبل أوغاد لم ولن يكونوا يوماً بحجم الأمانة والمسئولية التي يجب أن يكونوها!!! ولذا فإن ردة فعل الجموع طبيعية في البحث عن معنى آخر غير المعنى العقيم للدولة والمواطن والانتماء الذي عاشته وتعيشه وأمل بالتغيير أياً كان هذا التغيير ..وخلاصة القول للكل .. سلطة ودولة حكومة وشعب : انه من غير المفيد اليوم أن نقوم بالتصنيف لفرز هؤلاء عن وأولئك..ولكن الموقف الصحيح والمناسب مع حجم الحركة الشعبية يحتّم عليها إحقاق الحقوق ومعالجة جذور المشكلات وأسبابها لا بعض فروعها ومظاهرها السطحية ..يجب أن تعي الحكومة والرئيس ان الناس يخرجون لأنهم لم يروا بعد ترجمة مشروع التغيير على الواقع والعيش الكريم الذي يحلمون به كبشر والخدمات ووووووو إلخ ...مما لايخفى أو يعلّق على شماعة مؤتمر الحوار المشوش الرؤية والمسار..!! إن أمر إعادة الحقوق وحل مشكلات النهب والسلب والإقصاء والتهميش وغيرها من القضايا الملحّة ، تتم معالجتها بخطوات إجرائية ولاتحتاج إلى مؤتمر الحوار !! فالحوار له مايغنيه ومايفيض كأسه -الغير شفافة- من القضايا والكبائر والموبقات والصفقات.. نحيي جموع الجماهير في حركتها الجبارة الحية نحو البحث عن التغيير ونشد على أيدى الشباب والقوى الفاعلة الحية وكل قيادات الرأي العام.. أن يواكبوا رحلة التغيير ويعبروا عنها بصدق ، بعيداً عن الأهواء وضيق أفق الانتماء ،ونظرة التحيز التبعية المقيته ، وأنانيةالغرضية الرخيصة..إننا في لحظة فارقة تبحث فيها شعوبنا عن معنى وجودها الإنساني وجوهر روحها التائقة إلى الكرامة الآدمية وترجمة ذلك الطموح إلى أنظمة سياسية وإجتماعية وإدارية واقتصادية وتربوية تتفيأ ظلاله عدلها وخيرها وإنجازاتها أجيالنا القادمة..الأجيال التي خلقت لزمان غير زماننا.