هل تستطيع الشرعية استعادة "الدولة"؟
بعد مرور 10 أعوام على رفع الشعار فإن الواقع كان وما زال ينبئ بصعوبة تنفيذه في ظل الأوضاع السياسية المتردية.
ترتكز الحكومة المعترف بها دولياً في خطابها السياسي داخلياً وخارجياً على قضيتي "استعادة الدولة" و"إنهاء الانقلاب"، كما أنها تبذل الجهود الدبلوماسية والسياسية لتحقيقها بعد أن توصل الجميع إلى استنتاج كان واضحاً منذ بدايات الحرب بأن الحلول العسكرية غير قابلة لتحقيق الهدفين.
لا شك أن غالب اليمنيين يدركون أن "جماعة أنصار الله" الحوثية استولت بالحيلة والقوة والمرونة وبسرعة مذهلة على السلطة في 21 سبتمبر (أيلول) 2014، من دون مقاومة حكومية أو شعبية لأن العملية العسكرية التي قامت بها "الجماعة" كان ظاهرها الاعتراض على ارتفاع أسعار المشتقات النفطية، بينما الواقع برهن أنها كانت تخفي حقيقة أهدافها. وانتهت تلك الليلة بالتوقيع على ما سمي "اتفاق السلم والشراكة الوطنية".
الحديث عن جدلية موضوع "استعادة الدولة" يرتبط بحقيقة أن مفهومها النظري والعملي غائبان لأن "الدولة" الحقيقية لم تتأسس في اليمن الشمالي خلال الأعوام التي سبقت وتلت ثورة 26 سبتمبر 1962، بل إن الحقيقة هي أن البلد كان محكوماً بسلطة تقوى وتضعف بحسب قوة وضعف الحاكم نفسه، في ظل غياب مؤسسات راسخة وفاعلة ومؤثرة.
جرت محاولات عدة لإنتاج مؤسسة حكم مرتبطة بأنظمة وقواعد ثابتة ومعروفة، ولعل أكثرها وضوحاً كانت في الفترة القصيرة التي تولى فيها الرئيس الراحل إبراهيم الحمدي الحكم بين 13 يونيو (حزيران) 1974 و11 أكتوبر (تشرين الأول) 1977. ولم يترك خلفه الرئيس أحمد الغشمي أثراً في التسعة الأشهر التي قضاها في الرئاسة (11 أكتوبر 1977 إلى 24 يونيو 1978) عدا إلغاء مجلس القيادة وتنصيب نفسه رئيساً للجمهورية.
بعده استمرت فترة حكم الرئيس علي عبدالله صالح من 17 يوليو (تموز) 1978 إلى 27 فبراير (شباط) 2012 جرت خلالها محاولات جادة لترسيخ عمل المؤسسات واستقلاليتها. لكنها انهارت بسرعة لأنها كانت تعتمد في ثباتها ونفوذها على شخصية الرجل ذاته.
اليوم، وبعد مرور 10 أعوام على رفع شعار "استعادة الدولة" فإن الواقع كان وما زال ينبئ بصعوبة تنفيذه في ظل الأوضاع السياسية المتردية. ومن هنا جاءت فكرة مجلس القيادة الرئاسي وإخراجها إلى النور فجر السابع من أبريل 2022 باعتبارها وسيلة مبتكرة لحشد القوى التي تؤيد الشعار الجميل، ولكن حسابات الأرض أربكت الجميع.
من المهم والضروري إبقاء الفكرة حية ومستحقة للنضال من أجلها، ولكن العمل على إنجازها اليوم مسألة معقدة تتضارب فيها مصالح كثيرة، وحين أقول ذلك فإنني حتماً لا أقول إن سلطة "الجماعة" في صنعاء نموذج يمكن التعويل عليه أو حتى محاكاته، لأن ممارساتها على الأرض ما زالت تؤكد عدم قدرتها على استيعاب فكرة المواطنة الواحدة والقانون الواحد فما بالنا بالدولة الواحدة.
لا بد أن يكون التواضع في الطموحات مدخلاً ملائماً لتحقيق "استعادة الدولة"، وهنا فإني أرى أن يعمل مجلس القيادة الرئاسي على التفرغ الجاد والمستمر لنقاش مفتوح يديره رئيس المجلس مع الأعضاء السبعة يطرح فيه كل واحد منهم أفكاره لبسط السلطة في العاصمة الموقتة عدن، وأن يكون واضحاً في إعلان كيف وما هي الأدوات والآليات التي يجب استخدامها.
كررت كثيراً أن واحدة من نقاط الضعف التي ترهق "المجلس" هي عدم انشغال الأعضاء في إنجاز مهام السلطة المناطة بهم منذ السابع من أبريل، وكل اجتماعاتهم ما زالت تدور في مسار مسدود وعبثي لا يحقق أي تقدم في اتجاه إعادة البناء والسيطرة على المؤسسات الموجودة في عدن. ولعل هذه النقطة هي محور الجهد الذي يجب أن يبذله "المجلس" وعليه التوقف عن استنزاف الوقت في صراعات التعيينات التي صارت تتخذ طابعاً مناطقياً من بعضهم، وهي قضية ستثير كثيراً من الصراعات لأنها تتبعد عن اختيار الكفاءات والنظر فقط إلى مسقط الرأس.
المعوقات كثيرة والمنطلق هو توحيد جهاز الأمن داخل مدينة عدن، وإيكال المهمة إلى جهة واحدة، ويكفي للتدليل على هذه النقطة أن أي زائر للمجمع الرئاسي في "معاشيق" يحتاج إلى المرور عبر ست نقاط تفتيش يجري في كل واحد منها تحقق من هوية الزائر والمستضيف. وأمر كهذا يعطي الانطباع الفاضح عن عدم القدرة، وربما عدم الرغبة، في توحيد الأجهزة الأمنية. وفي الحالين فإنه يعطي الانطباع السيئ عن قدرات السلطة في عدن، وربما جاز القول إنها سلطات متعددة متنافرة ومتصارعة.
من دون توحيد أمن المجمع الرئاسي "معاشيق"، ثم الأمن في "عدن" فإن أي قول عن تحولات إيجابية ليس إلا ضرباً من الكذب وخداع النفس، ومن اللازم البدء بهما لما سيعكسه ذلك على اقتناع الناس بوجود سلطة واحدة تعمل من أجلهم أولاً. وحتماً فإن هذا سيجعلهم أكثر حماسة لها وارتباطاً بها، وسيشكل دفعة حقيقية لتحسين الخدمات.
*من صفحة الكاتب على منصة إكس