قراءة في مقاصد الصيام
اعتدنا على التسليم أن المقصد الأساسي للصيام هو الشعور بألم الفقراء حين يداهمهم الجوع ، وفي اعتقادي أن هذا المقصد لم يكن الصيام ليؤديه ببساطة لأن الفقراء ايضاً فرض عليهم الصيام ، والعلة منتفية عنهم ، لكن الحقيقة أن مقاصد الصيام التي تعود على الصائم في حياته تتعدى هذه الفكرة السطحية إلى ماهو أعظم وأشمل ، وتهدف لصناعة الذات وتوطينها على قيم وسلوكيات إيجابية تشكل الشخصية المسلمة حتى تكون قادرة على البناء والانجاز وتحقيق الغاية من الخلق والتكوين ، والمتمثلة بالاستخلاف بكل ما تحمله هذه المهمة المقدسة من شمول فيه كثير من التفاصيل ليس هنا المجال لسردها.
من أهم القيم التي يرسيها شهر رمضان توطين الصائم على تنظيم وقته واحترام ساعات يومه وليلته ، وذلك أن الصيام مرتبط بمواعيد دقيقة إمساكاً وإفطاراً ، ولك أن تتخيل أن الماء الذي تشربه حال إفطارك يعد قبل لحظات شربه إثماً إن لم تكن من أصحاب الأعذار ، والعكس في وقت الإمساك فالمباح يصبح بعد لحظات قليلة موجباً للإثم ، وتربية النفس على الالتزام بهذه الحدود الزمانية يعوّدها على احترام الوقت والمواعيد وعدم التساهل بها ، وإلى جانب الصيام تعد الصلوات وأدائها في أوقاتها المحددة أيضاً سبيلاً لتربية النفس على هذه القيم.
كما أن الصائم حين يمنع نفسه عن تناول المفطرات خلال النهار فإنه يعتاد على ممارسة عنصر المنع في حياته ، وهو بذلك يستطيع أن يقول لنفسه "لا" ليس فقط فيما يتعلق بالصيام بكل ما يحب تجنبه سواء كان الدافع حكماً شرعياً أو ضرراً صحياً أو خطأ أخلاقياً ، وهذا التدرب على المنع يرسيه الصيام ويحوله إلى ممكن سهل الممارسة، وكم نحتاج في حياتنا على التعود على قول "لا" في وجه كل ما يتصادم مع عقيدتنا وأخلاقنا وقناعاتنا.
تعتبر مهارات ضبط النفس والصبر ضمن صفات التميّز الشخصية التي تجعل من صاحبها مؤهلاً لخوض غمار الحياة وممارسة الأدوار القيادية فيها ، وعلى السبيل الشخصي تعد هذه المهارات أساسية لاستمرار حياة الإنسان والوصول إلى الأهداف والغايات ، والصيام يمثل سبيلاً هاماً للتدريب على هذه الممارسات ، فمن يستطيع ان يضبط نفسه ويتحكم بها وفق محددات الصيام ويصبر على إغراء المفطرات بشكل عام تتعزز لديه ملكات ضبط النفس والصبر ، ويستطيع الاستفادة منها في ممارسات حياته ، وتلك هي من مقاصد الصيام الأساسية المتعلقة بالنفس وامتلاك زمام للسيطرة عليها والتحكم بها.
اضف إلى ذلك أن من مقاصد الصيام تعزيز الثقة بالذات وتحسين الحالة المزاجية بسبب إدراك الصائم لقدرته العالية في إتمام الإنجازات المهمة ، والامتناع عن الأشياء السلبية بإرادته ، وبالتالي ذلك يؤدي إلى تقدير ذاته ، وينعكس ايجاباً على نجاح أدواره الحياتية ، وطريقه تعامله مع التحديات التي تواجهه في دروب الحياة المختلفة.
دمتم سالمين..