عن المصالحة

كلمة "المصالحة" تحيل في وعي الإنسان الى معانٍ أخلاقيّة وإيجابيّة, ولكن هذا من الناحيتين النظرية والعمليّة ليس صحيحاً دوماً, وبخاصة عند الحديث عنها في الحيّز العام, فهناك شروط متعيّنة تجعل منها مصالحة "وطنيّة".

 

إبتداءً, المصالحة الوطنيّة ليست "تكتيكاً", التحالف السياسي تكتيك, اما التصالح الوطني فهو إعادة تشكيل للأرضية الوطنيّة التي تجعل من الإختلاف السياسي "الوطني" ممكناً! ولهذا فإن التصالح الوطني هو توافق تاريخي بالضرورة على "بنية" جديدة للحيّز العام الذي ستتحرك فيه القوى السياسية والمجتمع.

 

المجتمعات التي تعيش في ظل دولة مواطنين وديمقراطيّة راسخة لا تعرف مصطلح "المصالحة الوطنيّة", لأن دولة المواطنين والديمقراطيّة التي تسمح بالتحالف والخصومة هي ببساطة نواتج مصالحة وطنيّة سياسيّة/مجتمعيّة تشكّلت تاريخيّاً, وبمعنى مستنتج, فإن المصالحة الوطنيّة تكون في المجتمعات التي تشهد تحولاً ديمقراطيّاً وتشكّلاً للدولة, وعليه, فإن كل مصالحة لا تخدم تكريس المواطنة والديمقراطيّة ليست "وطنيّة".

 

من ناحية أخرى, المصالحة الوطنيّة هي بالأساس تصالح قوى سياسيّة تدعي انها تمثّل المجتمع. وبعد ثورة شعبيّة ضد الديكتاتورية والتمييز والقمع, لا يكون تكريس المواطنة والديمقراطيّة الا بالتوافق على مفهوم الدولة وقواعد اللعبة الديمقراطيّة بالتوازي مع انهاء المظالم الإجتماعيّة الكبرى ومن ثم اقفال ملفاتها نهائيّاً, هكذا تكون المصالحة الوطنيّة.

 

والآن, فلنستحضر ما قلناه اعلاه حين نتحدث عن "المصالحة الوطنيّة الشاملة" التي يشيع حاليّاً الحديث عنها في اليمن, وهنا نخرج بإستنتاجين مهمَين: اولهما ان ما حدث في فندق موفنمبيك كان مجرد أكذوبة, وهذا قلناه وقاله غيرنا مبكراً.

 

وثانيهما ان ما سيحدث هو "تحالف" على هذا الشعب المنكوب, لأن هذه "المصالحة" لا تحمل ايّ شرط من شروط الوطنيّة: فهي "تكتيك" اولاً, وهي ثانياً لن تؤسس لا لدولة مواطنين ولا لديمقراطيّة سياسيّة لانها لا تمس اي عنصر في بنية الحيّز العام, بل انها قطعاً ستضيف ملفات جديدة لملفات المظالم الإجتماعيّة المتراكمة, ولا تنسوا هذا: المصالحة المزمع انجازها ستكون بين قوى سياسية خانت آمال الناس و"ديكتاتور رث" تتركز فيه "اسباب" المظالم الإجتماعية لهذا الشعب منذ ثلث قرن, وديكتاتور فاسد يتشكل الآن امام اعيننا, فكيف ستكون المصالحة "وطنيّة"؟!