الوطن وحالة الهدر
لا تندهش اخي المواطن مما يحدث من مسرحيات هزلية , فاليمن شعب عاش مقهورا , والانسان فيه مهدور, كل اسرار ما يحدث لنا موجودة في كتاب للدكتور مصطفى حجازي ( الإنسان المهدور ) , الذي يفسر لنا أسباب الشتات والانشطار الذاتي الذي نعيشه , شدة الهدر التي تعرض لها الانسان اليمني جنوبه وشماله , من خلال القمع والكبت الذي مارسته الأنظمة المتعاقبة , وما زلت تمارسه الأنظمة الثورية التي تتشكل من ذات الانسان المهدور , هي أساس خيبات طموح التغيير والتطلع الذي ننشد , وللأسف هي حالة هدر عامة لمقومات البلد والإنسان فيه , تنتج لنا خيبات تجد لها قناع اجتماعي من المهدورين تتستر به , وتروج لمبرراته , فلا غرابة ان نجد تقبل هذا الجمع من الانسان المهدور , التخلي عن هويته التاريخية , وعقيدته ,باحثا عن هوية وعقيدة في ركام مخلفات صراعاته.
ما نسمعه من خطاب ثوري حماسي , يهدف لمزيد من الصدام , ويرسخ مزيد من الصراعات , والارتهان على وهم القوة , ويستدعي أزمات الماضي وثاراته , هي حالة خارج الوعي للإنسان المهدور والمستغل اليوم , قوى استخباراتية طامعة تعرف حجم الطاقة السلبية لهذا الانسان المهدور , وتحركها لأهدافها , مزيدا من القهر والهدر العام , للإنسان والوطن , والضعف الشديد , و استلاب الإرادة , والارتهان بقناعة لمشاريع ضارة , أدواتها هي تلك الأنفس المهدورة , لا تعي حجم الضرر التي تقوم به.
مثلت الوحدة اليمنية لنا مخرجا من حالة القهر والقمع , والتعافي من الهدر , فتربص بنا الأعداء , وقدموا الدعم الغير محدود للنظام القمعي بكل أشكاله , القبلي والعسكري والعقائدي والايدلوجي , وتغذية الصراع , وفجروا المواقف , واستمرت حالة الهدر للإنسان , الذي صار خارج التغطية , يهرب من خيباته ليلعن قيمة وأحلامه وتطلعاته ومنها الوحدة اليمنية , بل اشدت الحالة لدى البعض ليتنكر لهويته اليمنية , وهو يعرف جيدا انه يمني ابن يمني يعيش في ارض يمنية , وهدرت الوحدة.
حالة الهدر التي حولت الكثير منا لدمى في مسرحية هزلية , تعيد انتاج خيباتنا , وتعبث بمقدراتنا , وتغتال احلامنا وتطلعاتنا , وتطربنا بخطاب ناري من الشعارات والترويج , والواقع هو الأسوأ و الى الأسوأ.
الحقيقة التي يجب ان يعرفها المواطن اليمني الجنوبي والشمالي , اننا شعب واحد , وارض واحدة , وهبها الله بتنوع مناخي وتضاريس ومقومات للنهضة , لو تعايشنا و تصدينا لكل مشاريع القهر والقمع , والخروج من دائرة الهدر , لكنا سادة العالم بكل فخر , بما يمتلكه الانسان اليمني من عقل ومهارة , وقوة وعزيمة.
مع بداية الوحدة المباركة , كان البعض يتفاخر باسمه ولقبه الذي ينتمي للشمال والعكس , هم ذاتهم اليوم الذين نسمع منهم شتائم وسباب لجغرافيا الشمال والجنوب , وهم يعرفون جيدا بحكم مستواهم التعليمي , ان قضيتهم ليست جغرافيا الشمال ولا الجنوب, بل قوى تقليدية متخلفة , ونفوذ عسكري وسياسي وقبلي , كان مدعوما من قوى إقليمية ودولية لا تريد لليمن الخير , ولا للوحدة الاستمرار , ولا للتحولات السياسية والتنموية في اليمن ان تصنع دولة محترم و تحولا إيجابيا.
هم أنفسهم اليوم تحولوا لنفوذ عسكري وقبلي وعقائدي بيد تلك القوى الإقليمية والدولية لتأدية نفس الوظيفة , وهي قمع الآخرين وقهرهم , واستمرار حالة هدر الإنسان وطاقاته ومقومات البلد وإمكانية أي تحول سياسية وتغيير حقيقي نحو تنمية ودولة المواطنة والحريات والعدالة.
والمؤسف ان حالة الهدر ما زالت تسير بوتيرة عالية , ويستغلها الأعداء , بشعارات رنانة ومسرحيات هزلية , وطعن في خاصرة الوطن و وحدته وعزته وكرامته , ولله في خلقه شؤون