رحيل السلال وبقاء السلاليون

إن الحديث عن الزعيم الوطني المشير عبد الله السلال يحمل من الدلالات التاريخية الكثير كونه القائد الأعلى للثورة وأول رئيس جمهوري لليمن فكانت رئاسة للجمهورية هي أول محاولة ناجحة لاسترداد اليمنيين لحكم أنفسهم منذ قرون طويلة.

غير ثوار سبتمبر نظام الحكم وغيروا الحاكم وشروط الحكم وغيروا مجرى حركة التاريخ لليمنيين ككل.

لم تكن السنوات السبع الأولى من عمر الثورة بمأمن عن محاولات الرجعية الإمامية استعادة الحكم وكان موقفها واضحا وعبر عن نفسه بحرب عرفت بحرب الجمهوريين ضد الملكية.

كانت قيادة ثورة السادس والعشرين من سبتمبر العسكرية ممثلة بالمشير عبد الله السلال تخوض في الوقت ذاته حربان حربا ضد الرجعية الإمامية، وحرب ضد الرجعية الجمهورية.

لم يتمكن الفريق المعارض للسلال تحت حجة المطالبة بوقف التدخل المصري في اليمن بمنأى عن الرجعية التي تجذرت في نفوس مجموعة كبيرة منهم كسلوك وعقيدة تؤهلهم ليكونوا حاضنة مجددة للسلالية الأمامية تحت شعار المصالحة الوطنية.

تخلى جزء كبير من قادة الثورة المدنيين الفقهاء والقضاة والمثقفين والمشايخ على شعار الجمهورية أو الموت وتم بحث تصور آخر للوضع في اليمن مهد لانقلاب الخامس من نوفمبر ١٩٦٧م، الذي أطاح بحكم المشير السلال وفتح الطريق نحو مصالحة وطنية مع قوى الرجعية والكهنوت.

وصلت قيادة حركة الخامس من نوفمبر إلى قناعة استحالة التوافق مع شركاء الثورة وقيادة الثورة والجمهورية وتخلى ثوار الحركة على قيادة ثورة سبتمبر ووصلوا معها إلى طريق مسدود.

بينما كان طريقهم مفتوحا نحو الأماميين الجدد واستوعبوا إمكانية مشاركتهم في الحكم وكان هذا التصور أو هذه السياسة هي التي أعادت إنتاج الإمامة لنفسها وسط البيئة الجمهورية التي تعكرت بالفعل بمثل هكذا توجه.

بعد سبع سنوات من الثورة والتضحية والحرب والصمود وجد جمهوريو السلال وعساكر الثورة ورجالاتها أنفسهم خارج معادلة الحكم وتم استثناؤهم بشكل كلي.

فظهرت قطيعة شاملة بين نظام خمسة نوفمبر وقيادة ثورة سبتمبر العسكرية كل ذلك مهد بالفعل لتقارب وحوار وانفتاح رجعيي الجمهورية مع رجعيي الإمامة فعاودت الإمامة إنتاج نفسها بصيغة جديدة ضمنتها اتفاق المصالحة ١٩٦٧.

والسؤال الذي يفرض نفسه هنا ماذا لو تصالحت قيادة حركة الخامس من نوفمبر مع السلال وسعت إلى إيجاد تفاهمات توحد الصف الجمهوري واستبعدوا مبدأ المصالحة مع الملكيين ألم يكن ذلك الانفتاح والتصالح أولى من الانقلاب وذو تأثير عظيم على أمن الدولة والجمهورية؟

ولماذا أوجدت قيادة الحركة القطيعة الكاملة بينها وبين رجالات سبتمبر المعارضة لهم فيما مدة يدها للمصالحة مع الملكيين ودعوا إلى تجاوز مرحلة الصراع؟

أيهما أكثر ضررا على اليمن في تلك الفترة السلال والدعم المصري لليمن؟ أم الملكية الضاربة في إهانة اليمنيين وسلبهم حريتهم وكرامتهم وأرواحهم.

أيهما أكثر إضرارا وأكثر نفعا للشعب والدولة السلال وجماعته أم الرجعية وزنابيلها.

وأيهما كان الأولى الحفاظ على وحدة الصف الجمهوري أم الحفاظ على وحدة الصف الوطني الذي تمت ترجمته إلى مصالحه مع أكثر القيادات السلالية عداء لليمن والثورة والجمهورية والقبول بها كجزء من العملية السياسية الحاكمة.

باختصار لقد تم ترحيل السلال مقابل بقاء السلالية تنخر في عظم الدولة التي احتضنت كبار الكهنة من بيت الشامي والتوكل والأمير وشرف الدين والمؤيدي والعماد والحوثي وغيرهم كثير من الأسر الكهنوتية التي كانت ولا زالت تمارس دورها في إضعاف اليمن وحكمه وكما قال الكاهن أحمد بن محمد الشامي:

قل لفيصل والقصور العوالي

إننا نخبة أباة أشاوس

سنعيد الإمامة والحكم يوما

بثياب النبي أو ثوب ماركس

* من صفحة الكاتبة في فيسبوك

مقالات الكاتب