تسول...لكن؟

تعتبر ظاهرة ( التسول ) إحدى الظواهر السلبية ليس في بلدنا فحسب وإنما في أي بلد أو مجتمع آخر ، ولذلك فإنه يتم تشريع القوانين وإصدار القرارات الهادفة للقضاء عليها أو الحد منها على الاقل ولكن ليس عن طريق قمعها كما يحدث لدينا .. وإنما عن طريق خلق الوسائل والطرق وفرص العمل المساعدة للمتسولين وبما يؤدي للحد من الظاهرة تمهيداً للقضاء عليها .. إلا عندنا حيث نصت المادة ( 203 ) من الباب السابع من القرار الجمهوري بالقانون رقم ( 12 ) لسنة 1994م بشأن الجرائم والعقوبات على إيقاع عقوبة الحبس لمدة لا تزيد عن سته أشهر لمن ( إعتاد ) على ممارسة ( التسول ) في أي مكان وخصوصاً إذا ما كان لديه أو بإمكانه الحصول على وسائل مشروعة للتعيش ، بل وشددت المادة نفسها من القرار على إيقاع عقوبة الحبس ولمدة لا تزيد عن سنه إذا ما رافق الفعل ( التسول ) تهديد أو ادعاء عاهة أو اصطحاب طفل صغير من غير فروعه .

 

كما أجازت المادة ــ المشار اليها آنفاً ــ للمحكمة وبدلاً من الحكم على ( المتسول ) بالعقوبة المقررة .. أن تأمر بتكليفه بعمل إلزامي ولمدة لا تزيد عن سنه وخصوصاً إذا ما كان قادراً على العمل ، أو الامر بإيداعه ملجأ أو دار للعجزة أو مؤسسة خيرية معترف بها لاسيما إذا ما كان عاجزاً عن العمل ــ ومتى ما كان الحاق أي منهما بالمحل الملائم له ممكناً .

 

في الواقع وبمقدار مقتي لظاهرة ( التسول ) باعتبارها من الظواهر السلبية المؤثرة على البيئة والمجتمع وأحياناً ( برستيج ) بعض الاثرياء اللذين أغناهم الله بعد فقرهم و( الزناطين ) مع إحترامي من أصحاب السيارات الفارهة أو حتى السياح والاجانب والزائرين للبلد بشكل عام  ، إلا إني وفي الوقت ذاته أرى بان هناك ظلم في ــ الجزء الاول من القرار المشار اليه آنفاً ــ وخصوصاً المتعلق بالحبس ويراودني ذلك الشعور والاحساس تحديداً كلما تذكرت بأن تلك العقوبة يجب أن تتحملها ( أطراف ) تعتبر جزء من المشكلة وجزء من الحل في ذات الوقت ، وحتى أكون أميناً في نقل الصورة وأكثر وضوحاً دعونا نتساءل معاً  .. اليس من المفترض بالدولة أن تحاسب نفسها قبل أن يحاسب كل مسئول فيها أمام الله يوم القيامة عن ما فعله بالمسئولية التي منحها إياه ؟؟ أليس من المفترض بالدولة وكل مسئول صغيراً كان أم كبيراً مديراً كان أو وزيراً فيها أن يوزن عمله قبل أن يوزن عليه يوم القيامة ؟؟؟

 

للأمانة وبدون نفاق أو مجاملة دعونا نقولها لحكومتنا المؤقرة : " صحيح  أن ( التسول )هي إحدى الظواهر السلبية المؤثرة على الفرد والمجتمع ــ ولكنها في الأول والاخير مسئوليتك كحكومة ومسئولية كل فرد من أفراد الحكومة مكلف بالعمل مع الحكومة نفسها لإيجاد البديل للمتسولين عن ممارسة التسول .. " وذلك حتى نقول لأولئك المتسولين  كفى ، نعم كفى تسولاً وسؤال الناس الحافاً .. فقد أصبح بإمكانكم الان التوقف عن التسول بعد أن أوجدت لكم الحكومة البديل المتمثل في مشاريع وفرص عمل لم تكونوا تحلمون بها أو يجدها أي شاب من الشباب والخريجين والخريجات الجامعيين وذلك حتى يومنا هذا ، كفى تسولاً فقد وفرت لكم الحكومة إمكانيات لم تستطع أقوى الحكومات وأفضل الدول توفيرها لمجرد متسولين أمثالكم  ، كفى تسولاً فقد أصبح اليوم بإمكانكم أن تعملون وتكسبون بعرق جبينكم قوت يومكم ــ ولكن وإلى أن تتمكن حكومتنا المؤقرة من فعل شيىء حيال البدائل المفترض توفيرها من خلال تسول ــ آآآعفواً ــ  نقصد توسل الدول المانحة لرفد البلد بمزيد من القروض والدعم والمنح والمساعدات وحتى تستطيع محاسبة أناس لا يجدون قوت يومهم أو اتخذوا ( التسول ) يوماً مهنة للكسب السريع .. إلى ذلكم الحين ــ دعونا نقولها وبكل أدب لكل متسول عفيف ( فضلاً دع التسول وإبداء حياة جديدة  بلا نفاق مع حكومة الوفاق التي جاءت على خزينة خاوية ) أما المتسولين الذين لاهم لهم سوى ممارسة الظاهرة التي تحولت اليوم إلى مهنة يمارسها حتى الغني والفقير .. فنقولهم ( احرصوا وعوا فالسيل قادم .. وإذا لم يكف الواحد منكم اليوم عن التسول فسيأتي حتماً عليه يوماً يصبح فيه على تسوله نادم ) .. والله من وراء القصد والنية .