الهاربون إلى الماضي!

الفشل في مواجهة مشاكل الواقع تدفع بعض الناس إلى ما يسمى بحالة (الهروب النفسي) إما إلى الماضي السحيق، أو إلى الرؤى والمنامات وانتظار أشراط الساعة والمهدي المخلص، أو إلى المخدرات والانتحار، أو إلى أسوأ الخيارات وهو الإلحاد والشذوذ والتمرد على الأديان والقيم.

هذه ظواهر تصيب الأفراد كما تصيب الجماعات والأمم أثناء الحروب والفتن، لاسيما في ساعات الهزيمة والانكسار. فبدلا من التعامل مع المشكلة بواقعية من خلال النظر إلى أسبابها وجوانب القوة والقصور والفرص المتاحة فيها على مبدأ (قُلۡ هُوَ مِنۡ عِندِ أَنفُسِكُمۡ)، يذهب المأزومون إلى عوالم أخرى بعيدة عن الواقع لتحميلها مسئولية الفشل والبحث عندها عن حلول للمشكلة.

ظاهرة الهروب إلى الماضي، هي أشهر هذه الظواهر في واقعنا اليمني اليوم، فبعد ثمان سنوات من الحرب نرى جدلا عقيما حول وقائع تاريخية حدثت قبل أكثر من أربعة عشر قرنا، وتحميل قادتها نتائج مشكلتنا الحاضرة، مع نبش غير علمي للتاريخ وإحياء عصبيات وعصبيات مضادة منذ عصور الجاهلية الأولى!

لقد علمنا القرآن أن ننشغل بالحاضر، وأن لا نعود للماضي إلا لأخذ العبرة فحسب (لَقَدۡ كَانَ فِی قَصَصِهِمۡ عِبۡرَةࣱ لِّأُو۟لِی ٱلۡأَلۡبَابِۗ) (تِلۡكَ أُمَّةࣱ قَدۡ خَلَتۡۖ لَهَا مَا كَسَبَتۡ وَلَكُم مَّا كَسَبۡتُمۡۖ وَلَا تُسۡـَٔلُونَ عَمَّا كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ)، واتساقا مع هذا النهج الرباني سار أهل السنة والجماعة تجاه ما شجر بين الصحابة الكرام، قال عمر بن عبدالعزيز: "تلك فتنة عصم الله منها سيوفنا، فلنعصم منها ألسنتنا".

ختاما: أقول للغارفين في معارك التاريخ: عودوا إلى معركتكم الحاضرة معركة استعادة الدولة، فإنه من المستحيل الجمع بين مشروع عصبوي يمزق النسيج المجتمعي وبين مشروع الدولة، فالعصبيات هي النقيض الموضوعي للدولة، وهي أشد الأدوات تمزيقا لنسيج المجتمع ووحدة الأوطان!.

مقالات الكاتب