البحر الأحمر في الاستراتيجيتين اليمنية والمصرية
عرف البحر الأحمر قديما ببحر القلزم، وكلمة قلزم تعني المضيق، وسمي البحر بهذا الاسم نسبة إلى مدينة القلزم، واسمها القديم كليسما Clysma. وخليج القلزم يعرف في كتب اليونان باسم هيروبوليت Heroopolie. وقد خربت هذه المدينة في القرن 5هـ/11م، وعلى أنقاضها أنشئت مدينة السويس الحالية في القرن 6هـ/12م، وسمي الخليج بخليج السويس. كما سماه العبرانيون قبل ذلك "هايم" التي تقابل كلمة "اليم" المذكورة في القرآن الكريم في قصة موسى عليه السلام مع فرعون، ومعنى اليم: البحر.
وهناك فرضية أخرى هي أن الاسم قد أتى من قبيلة حمير التي كانت تقطن اليمن. وأيضًا أيّد بعض العلماء العصريين نظرية أن "الأحمر" هو اسم يشير إلى اتجاه الجنوب، كما البحر الأسود قد يشير إلى الشمال. وعلى أساس هذه النظرية بعض اللغات الآسيوية تستخدم أسماء الألوان للإشارة إلى الاتجاهات السماوية، وقد كان هيرودوت في المناسبة الواحدة يستخدم كلمة البحر الأحمر وبحر الجنوب بشكل متبادل.
وهو يقع بين قارتي آسيا وأفريقيا، يبتدئ جنوبا من باب المندب، المتاخم للبحر العربي، وينتهي على تخوم البحر الأبيض المتوسط، بواسطة قناة السويس. وتزداد نسبة ملوحته في الجنوب أكثر من الشمال. ويبلغ أقصى عرض له 204 كم، قريبا من مدينة "مصوع" الارتيرية؛ أما أقل عرض له فيقع عند باب المندب بعرض 19 كم. وأعمق نقطة مائية له 2635 مترا تحت سطح البحر، ومتوسط عمقه 491 مترا.
يرتبط البحر الأحمر بثماني دول على ضفتيه: أربع من الضفة الشرقية، هي: اليمن على مساحة ساحلية على البحر الأحمر طولها 442كم، والمملكة العربية السعودية بساحل طوله 1890كم، والأردن 27كم، والكيان الإسرائيلي 2 كيلو و11 مترا، ومن الضفة الغربية تطل عليه مصر بساحل طوله: 1941كم، والسودان بساحل 717كم، وأرتيريا بساحل طوله ألف و 12 كم، وجيبوتي بساحل 40 كم.
تنبع الأهمية الجيوسياسية لمنطقة البحر الأحمر من أن معظم الدول المطلة عليه هي دول عربية وإسلامية، تمتلك موارد اقتصادية ضخمة، وثروات تؤثر في اقتصاد العالم، إذا ما تم استغلالها والاستفادة منها، فأغلب الدول المطلة على البحر الأحمر عربية إسلامية، باستثناء إسرائيل وارتيريا.
كما أنه يقع عند نقطة التقاء قارات ثلاث: أفريقيا من الغرب، وآسيا من الشرق، وأوروبا من الشمال، عبر البحر المتوسط، وإذ يحتل البحر الأحمر موقعه بين بحار الشرق والغرب، فهو يمكن تشبيهه بأنه بمثابة جسر طوّاف يصل الشرق بالغرب، وهو ــ أيضا ــ يربط البحر العربي والمحيط الهندي بالبحر الأبيض المتوسط، بواسطة مضيق باب المندب في الجنوب وقناة السويس في الشمال. بهذا يصبح البحر الأحمر همزة وصل استراتيجية لكثير من الطرق المائية.
الحضارتان المصرية واليمنية في البحر الأحمر
يذكر المؤرخون أنه مع أواخر العصر الفرعوني حدثت مجموعة من الاتصالات التجارية بين جنوب جزيرة العرب "اليمن" ومصر؛ إذ تشير النقوش إلى وجود علاقات تجارية وطيدة ربطت مصر الفرعونية بدولة معين اليمنية، ويُستدل على ذلك من خلال نقش معيني مؤرخ من عهد الملك "إيل يفع ريام" حوالي 370ق. م. وجد محفورا على الجزء الشرقي من السور الذي كان يحيط بمدينة معين، وهو يشيرُ إلى تجارة معينية مع مصر وغزة وآشور. كما عُثر على نقش معيني آخر بسور مدينة براقش باليمن يعود تاريخه إلى عام 343ق. م، دونه رجل يدعى: "عم صدق" يشير خلاله إلى وجود تجارة للمعينيين مع مصر وآشور.
وقد أفضت هذه العلاقات التجارية إلى علاقات سياسية وعلاقات اجتماعية، حيث تذكر بعض نصوص المسند المعينية التي اكتشفها هاليفي عام 1869م في قرناو عاصمة معين بالجوف أن بعض التجار المعينيين قد تزوجوا من مصريات نتيجة لتحركاتهم التجارية في أرجاء متفرقة من بلاد العالم، وقد كان المعينيون تجارا وأصحاب ريادة تجارية مشهورة أدت إلى خلق هذه الروابط، وبعد زواج هؤلاء التجار عادوا إلى وطنهم وبصحبتهم زوجاتهم، وقد دونوا عقود زواجهم على أعمدة المعابد، وفقا لشرائعهم. وقد أشارت النقوش إلى أسماء هؤلاء الزوجات الثماني، وهن: تخبث، تبأ، تبأ، تحيو، أمة شمس، بدر، اختمو.
وبالمقابل فقد عُثر في الجيزة، وفي موضع قصر البنات على طريق قنا، في منطقة "ادفو" على كتابات معينية بالخط المسند، تشير إلى وجود جالية معينية في مصر.
تتحكم مصر بالطرف الشمالي للبحر الأحمر عن طريق قناة السويس التي تربط البحر الأحمر بالبحر الأبيض المتوسط، بواسطة مضيق جوبال الذي يحتوي على عدة جزر، منها شدوان وأم قصر وطويلة وجوبال. ترجع أهمية مضيق جوبال إلى كونه يتحكم في مدخل خليج السويس، التي تعتبر الذراع الشمالية الغربية للبحر الأحمر. وقد برزت أهميته الاستراتيجية بعد فتح قناة السويس عام 1869م، وشكل أداة الربط بين الشرق والغرب؛ بل يعتبر مفتاح البحر الأحمر من الجهة الشمالية والرابط بين البحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي..
كما تتحكم اليمن بالطرف الجنوبي للبحر الأحمر الذي يربطه بالمحيط الهندي والبحر العربي عبر باب المندب، ويقع في منتصف الطريق بين السويس المصرية، ومومباي الهندية.
وتبلغ نسبة الحركة الملاحية العالمية في باب المندب 38% من الحركة الملاحية العالمية؛ إذ يمر فيه ما يقرب من 57 قطعة بحرية في اليوم الواحد، ولهذا سعت إسرائيل لدعم ارتيريا في الاستيلاء على جزيرة حنيش الكبرى عام 1995م، لتقترب من باب المندب، فتكون من ضمن اللاعبين الرئيسيين على المستوى العالمي والمتحكمين في طرق التجارة العالمية.
يعبر خلاله من 20 إلى 30 ناقلة نفط يوميًا، وتمر منه كل عام خمسة وعشرون ألف سفينة، ويزيد ارتباطه بكل من قناة السويس وممر مضيق هرمز من أهميته العربية والدولية.
أغلب حروب المنطقة التي دارت منذ آخر الأربعينيات من القرن الماضي إلى اليوم كان مسرحها البحر الأحمر، ابتداء من احتلال "أم الرشراش" فالعدوان الثلاثي على سيناء في شمال البحر الأحمر، فحرب 67م، وأيضا حرب اكتوبر 73م، التي زادت من حيويته السياسية، ثم الصراع الأثيوبي الارتيري لم يكن في حقيقته إلا صراع على البحر الأحمر، وأيضا الصراع الارتيري اليمني في منتصف تسعينيات القرن الماضي، فالصراع المصري السوداني على شلاتين وحلايب حاليا.
تاريخيا كانت الأخطار العسكرية الكبرى على اليمن من البحر، ابتداء من الفرس الأوائل، فالأحباش، فالبرتغاليين، فالهولنديين، فالفرنسيين، فالبريطانيين، فالإيطاليين.. إلخ.
إن تسلل إيران باتجاه منطقة الشرق الأوسط ودول الإقليم، والبحر الأحمر تحديدا دون غيرها قد جاء بعد أن يئست من التسلل شرقا باتجاه باكستان، أو شمالا باتجاه روسيا، كون باكستان وروسيا قوتين نوويتين، ومن المستحيل كسر شوكتهما، فيئست منهما، طامعة بالتسلل باتجاه الجنوب العربي/ الخليجي. كما أنها لا تطمع في الهند النووية أيضا وذات القوة البشرية والسياسية الصاعدة، والمفصولة عنها بالبحار.