عدن (رائدة لا تابعة)
اشعر ان كثير ممن ترعرعوا وعاشوا في عدن سنين عمرهم , لم يتشربوا من إنسانية عدن , ولم يستوعبوا خصوصيتها الحضارية الثقافية والفكرية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية او حتى الدينية , فلم يستوعبوا بعد مشكلة الإنسان وعلاقته بالأرض , ومشكلة اللحظة وعلاقتها بالأفكار التي يجب ان تحفظ لعدن حقها في الريادة , وتسيد المشهد لتقود التحول بما يخدم حضارتها ورقيها وايقونتها .
عدن لا يجب ان تكون تابعة , فهي الرائدة , وهي السباقة في كل جديد , وهي المدنية والتحضر والرقي , هي ايقونة الحياة فسيفساء التنوع السياسي والثقافي والاجتماعي والعرقي , هي مركز الإشعاع والتنوير , ومنها انطلق مشروع الدولة منذ كانت ولاية عدن او دولة عدن , عرفت الانتخابات والبرلمان والشراكة الحقيقية في حكومة إدارة عدن , هذا الإرث والموروث الثقافي والسياسي , لا يقبل اليوم ان يكون تابع , ولا يقبل ان يأتي من خارجه من يكون وصي عليه , وبالتالي ستجد هناك مقاومة حقيقية بين إرث عدن الحضاري , وما يغزوه من إرث بالي متخلف , بين مدنية وسلمية عدن, وبين عصبية وعنف وعنجهية القادم ليحكمها .
من المؤسف ان يتماهى البعض في عدن مع كل دخيل قدم ليها ليغير من تلك الخصوصية , ويدمر تلك العلاقات بين الانسان والارض , وبين العقل والأفكار المدنية التي تنير طريق مساره , يفكك شخصية عدن , بتفكيك المجتمع العدني , ليغرس قناعات لا تتواكب وشخصية عدن , وفي نهاية المطاف يصل لمبتغاه في تشويه واضح يهدف للترويج ان لا وجود لهوية عدنية , ولا شخصية عدنية , بل عدن لمن يسيطر عليها , ويحدد شخصيتها , ودورها القادم لخدمته .
من العبث ان نتحدث عن التحرر والانعتاق والاستقلال , بمنأى عن عدن وحضارتها وثقافتها المدنية وأفكار الدولة الضامنة العالق في شخصية عدن , وهي شخصية واحدة ترتبط جزئياتها برابط وثيق , تحتاج منا إدراك الأدوات وسلوك العمل والفعل على كل الأصعدة لتكريس حالة من التراكمية في الفعل والنشاط وتكاملية في عوامل إنجاح مشروعنا الوطني نواحيها الحضارية والثقافية لتخلق الإبداع والتنوع في أساليب المواجهة , ورسم خارطة العوالم الحضارية التي نتطلع لها , والتحديات التي نوجهها , من منظور استراتيجي , وليس من منظور قولبة الحقائق وتفريغ المضامين وتحوير المعطيات بزوايا ضيقة قاصرة عن فهم التغيرات في سياقها الواقعي وليس الوقوعي لتقع في فخ الاتهامات العاجزة عن إبراز البدائل والدلائل عن بوصلة الاتجاه الذي يشير الى دولاب الحركة الوطنية بمعناها العام لعناصر الحضارة والتمدن والصمود في حله إنسانية وحضارية، تحترم معاهدات وقوانين الدول المعاصرة التي تطورت عبر عقود خلت لتجعل من مشروع عدن المثال القادم على ادمية الانسان اليمني كان جنوبي او شمالي بثوب جديد نعم، ولكن لابد من الناظر الى عدن ان يعمق النظر إلى دلالتها الابعد في المكان والزمان الراسي بالجبال والمحاذي للبحر كعنوان بارز للتحدي القريب للإنسان والقيم والاخلاقيات العدنية , وشخصية العدني بكل تجلياتها الثقافية والفكرية والسلوك العام في المجتمع .
من المؤسف ان تجد المشاريع الصغيرة كانت مناطقية او طائفية او اثنية , تبث نعرة كراهية وعنصرية , من يفتح لها أبواب عدن لتستقر فيها , وتمارس قبحها وتشوه عدن , هذه المدينة الكوسموبوليتية التي تجمع البشر بكل أيدولوجياتهم واختلافهم للتمتع في مجتمع واحد متعايش , لا يوجد فيه تصنيف وتعنيف , فيه الإنسان يعرف بشخصه وملكاته وقدراته وعلمه وثقافته , دون البحث عن جيناته وجذوره , ومن المعيب السؤال في عدن من اين انت ؟
لا تحتاج عدن دموع تبكي اليوم عليها , بالأمس استلمت ثمن تماهيها مع مشروع تدمير عدن , بعناوين مختلفة , خلاصتها ان تقبل عدن حكم عسكري عنيف متخلف يمارس العصبية والتمايز , يصنف الناس وفق مزاجه العفن , هو من انتج واقع عدن اليوم البائس , فعلى ماذا يبكي هؤلاء على خيبتهم , عندما ذهبوا يقدمون الطاعة بل الخنوع والاستسلام , يقبلون على انفسهم حضور شكلي ديكوري , في مسرحية عبثية , ويقدم لهم الزعيم ظرف مالي في احتقار وذل ومهانة , حتى في مقابلته كم عزيز قوما ذل , وترك أمام الباب مهمل , اذا قبلوا اذلال انفسهم , فلن نقبل نحن اذلالهم لعدن بحكم تمثيلها .
هذه عدن من أراد ان يكون منها واليها , ليرتقي بنفسه وفكره وعلاقاته بالآخرين , يرتقي قناعاته ومواقفه بمستوى عدن , ان لا يقبل ان يحط من عدن لتكن تابع , محكومة بما لا يتناسب وقيمتها الحقيقية كمدينة رائدة في كل المجالات , وابنائها هبوا لينشروا التعليم والثقافة والفن والفكر والنضال السياسي والنقابي وحراك المجتمعي في كل ربوع اليمن , حينما كانت مرتع للمثقفين والمفكرين والمناضلين , ومركز اشعاع فكري وثقافي ونضالي , منها تأسست نواة الحركة الوطنية اليمنية .
والله على ما أقول شهيد