وداعا علامة اليمن وفقيهها الأكبر
ربما لم يمر في تاريخ اليمن العلمي والثقافي علم بحجم القاضي والعلامة محمد بن اسماعيل العمراني، مفتي اليمن وعلامتها الكبير منذ الإمام الشوكاني وحتى اللحظة.
خلد الشوكاني بما تركه خلفه من تراث علمي كبير في شتى العلوم الإسلامية لكن خلود القاضي العمراني يأتي من باب أخر تماما فهو لم يترك من الكتب والمؤلفات إلا الشيء اليسير جدا كتاريخ القضاء في اليمن لكن ما سيخلد هذا الرجل البسيط هو وسطيته واعتداله و تموضعه المركزي في قلب الحركة العلمية اليمنية درسا وإفتاءا لما يقارب قرن من الزمن .
حافظ القاضي العمراني على حدود واضحة لمكانة العلم وتنزيلاته الإجتماعية والسياسية بحيث لم يقع طوال مسيرته العلمية بأي مواقف تتناقض مع مكانته الإفتائية التي ربما يكون من خلاله قد أسس لمدرسة جديدة في الافتاء تقوم على ما يطلق عليه علميا بمدرسة الفقة المقارن التي تجعل المتخصص فيها يمتلك القدرة على الاجتهاد والإجابة في كل المذاهب الفقهية المعتبرة.
أما عن موقفه السياسي فقد جسد العمراني ثوابت السياسة اليمنية في كل ما صدر عنه من مواقف تتعلق بالموقف من كل القضايا العامة ولم يجامل فيها أحدا كمرجع علمي يرى في الدولة اليمنية الجمهورية أهم وأقدس منجزات اليمنيين .
شخصيا كان لي تجربة ليست طويلة في التتلمذ على يديه فقها وأصولا واستفدت كثيرا من براعته الفذة في الالقاء والتدريس التي خبرها طويلا ومر من خلال حلقاته العلمية المئاة من العلماء والاكاديميين وطلاب العلم.
أما اليوم فقد رحل العلامة الكبير علامة اليمن وفقيهها الأكبر و اليمن ليست بخير، وتعيش لحظة قطعا لم يكن القاضي العمراني يحبذها لليمن واليمنيين الذين ظل مرجعيتهم العلمية لقرن من الزمان .
عزائنا لليمن في مصابها الجلل هذا كل هذا البكاء والتشيع الكبير والمفجع الذي جمع كل اليمنيين حول علامتهم الكبير رحمة الله عليه واسكنه فسيح جناته .