عام آخر قضيته في حب اليمن

"ثم تكتشف أنهُ لا علاقة للأعوام بالنضج، نحن نكبر بمرور الأوغاد"
جبران خليل جبران

وما بين عام مضى وعام أتى أحبكِ أنتِ، لا أجاري نزار هنا وإنما أقول ما يتوجب عليَّ قوله، في لحظة ما يشعر البعض فيها باليأس والضياع، وأشعر فيها أنها ميلاداً جديداً للأمة التي بشرت بها خلال عقد مضى، لا أظنني سأتخلى عن التبشير بها في العقد الجديد والذي يليه والذي يليه ولن أُصاب بالملل فالأمة اليمنية قادمة بكل تفاصيلها التي أحب. تعلمتُ الصبر هناك حيث تضع الريح أجنحتها في آخر كل نهار عاصف، في ربوة رابضة بين جبلين من جبال اليمن الشامخة.

لم تذهب سنة 2020 بالقليل منا، ما أخذته أمس قبل نهايتها من أرواحنا وقلوبنا في عدن لا يمكن أن ننساه جميعاً في الداخل والخارج، في كل أرجاء اليمن الكبير كان هناك وجع يمني واحد، تسببت به الهاشمية السياسية بالفعل المباشر - وهذا ما أرجحه لما أعرفه عنها - أو بفعلها غير المباشر بفعل انقلابها الغادر ضد الأمة اليمنية الذي جلب على اليمن واليمنيين كل صنوف البلاء.  قبلها بأيام شعرت بتوعك مزاجي شديد، حاولت أن أضحك في وجوه القلة الذين قابلتهم خلال الثلث الأخير من الشهر، لكن الضحك كان يتحول عقاباً للروح وقت ما يريد من ليل أو نهار.

مناظر الدم وكلمات الآسى اليمني أمس ليست جديدة، وهي جزء من صورة كلية لمأساة سقوط الدولة منذ 2014، ومع ذلك فيها ما يصلح للقراءة المتأنية:

حققت الهاشمية السياسية قدراً من مخططاتها في قتل اليمنين، لكنها لم تقتل روح المقاومة والثورة فيهم. قتلت وجرحت والدم اليمني ينزف لكن الروح اليمنية هي التي ظهرت عند الشدة ولطالما فعلت ذلك عبر التاريخ. رأينا بالأمس وقوف اليمنين مع الحكومة والشرعية، والتفافا حول الحكومة بعد أن سمعوا خطاب رئيسها وتصريحات الوزراء، وتصريحات قيادة الشرعية. الروح اليمنية موجودة في كل الجبهات عند المقاتلين الذين نذروا أرواحهم للأمة اليمنية، وفي جبهات الوعي والاعلام وفي الشارع اليمني لمت غب الروح اليمنية طيلة هذه السنوات.

  لذا قد آن الأوان للأمة اليمنية أن توجه بصرها نحو القاتل الحقيقي، القابع في كهوف مران واستقبل سفير طهران في صنعاء. آن الأون لمهزلة الانقسامات أن ترحل. آن الأوان "لليمنية" أن تبرز للوجود كما فعلت ذلك في مختلف العصور اليمنية. لا شيء مستحيل مادام العدو يقتل كل الفصائل والفئات التي تمترست خلف أسمائها ونسيت أن تتمترس بيمنيتها وأن تتدثر بعلمها الجمهوري لا سواه، ما يقع عليها هذه اللحظة هو توحيد هدفها وتوحيد قوتها لمواجهة عدوها. آن الأوان لأن يعي الجميع أن التغني بالهوية اليمنية الحضارية والثقافية لا معنى له ويصعب فهمه وقياسه بدون الحفاظ على الهوية السياسية للبلاد " الجمهورية اليمنية" وهي مكسب الأمة اليمنية من دمج الشطرين في دولة الشعب اليمني الواحد كهدف من أهداف الثورة اليمنية الخالدة 26 سبتمبر و14 أكتوبر. آن الأوان ليتخفف الجميع من الماضي وصراعاته ومن أمراض الأنساب والجينات والعرقيات والقروية والمناطقية والانجرار خلف مفردات الطائفية. آن الأوان لأن يرتفع عالياً وسم #يمنيونلاشماليونولا جنوبيون. ووسم # يمنيونلازيودولا شوافع. معززاً بوسم #يمنيونلا شيعةولا سنة. ليتحقق وسمنا الخالد #يمنيون_للابد.

 لا أعتقد أني في يوم من أيام 2020 لم أرسل تعزية فيها لصديق بفقد عزيز، أو أدعو بالشفاء فيها لمريض، الحرب والحصار المفروض على اليمن، ثم كورونا (كوفيد 19) والذي مضى بحسب الكشف حاصداً الأرواح في بلدي وفي غيرها من البلدان، بدأتُ متحمساً للتوعية بمخاطر الفيروس وانتهيتُ لا أطيق سماع ما قلته أو يقوله الآخرون عنه، في موجته الثانية زادت الحالات، ويقال إنه - ما شاء الله عليه - تطور وصار (كوفيد 20) ويبدو أن السلسلة ستستمر معنا إلى ما شاء الله. تأثر اقتصاد العالم، وزادت اليمن فقراً وجوعاً، ومعاناة الناس لا حدود لها. ومع كل ذلك سنتعايش مع كل وضع أملين من الله وحده اللطف بعباده جميعاً. مع الالتزام بالوقاية بكل وسائلها المتاحة والمعروفة.  

ماذا سأفعل في 2021؟  شخصياً لا أضع خطة حرفية كما يضع بعض الناس. لكن لي خططي المرسومة والتي أنفذها ضارباً بكثير من المفاهيم "الزمانكية" عرض الحائط، أنا مجر بشر ولست إلهاً. مستمر في معركتي ضد مسلماتي التي اكتسبتها عبر أربعة عقود أنسفها من القواعد مستخدما Shift + Delete لإزالة ملفاتها التي قد تعلق في الذكرة.  مستمر في مراجعة مفاهيمي ومصطلحاتي التي أعممها بقدر ما استطعت عبر وسائل الإعلام. لا رجعة للنقاشات العدمية والجانبية، ولا للقضايا الجانبية والهامشية، ولا للسير مع من يفهمون أن الوطن مكسب شخصي ومكسب مُحتمل ومجرد أخذ بدون عطاء، ومن يجعلون من حاجتهم الشخصية والنفسية مقاساً لكل تحركاتهم، ومشاكلهم العاطفية أكثر من مشاكل الشرق الأوسط كلها. ومن تطغى عليهم الانتهازية ومن يريدونك أن تكون إما ضمن فريقهم أو جزء من غوغائيتهم. متخذا من إقامة العلاقات السطحية ملاذا من العلاقات الأكثر قربا والتي تأكل الروح والجهد والعمر، مع الحفاظ على مفردات الحقوق المجتمعية.

كما أني - بمعية فريقي - سنطور وسائل عرض مفاهيمنا العامة بكل بساطة لتكون في متناول أكبر شريحة من اليمنيين في كل مكان. لدينا توافق وإصرار كفريق على التعلم من كل فئات مجتمعنا، والسعي لنيل صداقتهم بكل شرف. لا يهمنا عددنا ولا عدتنا ما يهمنا أن يكون عملنا متسم بالصدق والإخلاص والحب. للأسف مازلنا غير قادرين على منافسة أنفسنا وهذا أكبر مأزق نمر به. سنكون معكم في كل ما يتعلق بقيمنا ومفاهيمنا المنبثقة عنها كجزء منكم ودوماً حسبنا أنفسنا كذلك.

ككل عام يُصر الزميل علي الحسام أن يقتطع من وقته لتذكيري بمناسبة يوم ميلادي، لست مهتماً بميلادي ولا بميلاد أحد من الناس، أترقب على الدوام ميلاد الأمة اليمنية، ولكلٌ ميلاده الخاص. الفرار من مواعيد ابن الحسام ليس بالأمر السهل، وبالعقل والقبيلة يقول لي تعال نحتفل بيوم ميلادك فأجيب لا مثلاً؟! "لا" عندي هذه من المحظورات ولا استخدمها سوى في القضايا الهامة جداً. أمس يوم حزين لا الحزن يسمح باحتفاء ولا البكاء منزوياً في الغابة المدارية سيُفيد، إذاً إجابة "العليان" الويناني والحسام واجبة لعلي اتخفف من هذا الذي يختلج بين القلب والذاكرة. المشكلة تكمن في أن الحسام يقول:" ابتسم" من أين ستأتي الابتسامة لولا هذه اللحظات المسروقة من 2020 برفقة من اخترتُ طواعية أن أكون واحداّ منهم في دروب هذه الحياة وفي هذا المنفى الاختياري؟!

كل عام وأنتم بخير، في 2021 سنزداد إصراراّ على الحياة برغم بشاعة الإرهاب القادم من كهوف مران ودهاليز طهران، برغم البُعد والتشرد وهذا الشتات اليمني الكبير سنكون جميعاّ بخير.

 كل الأصدقاء الذين أرسلوا التهاني ولم أتمكن من الرد عليهم أحبكم كثيراً وشكراً لكم وكل عام وأنتم الخير والحب ودمتم سالمين.

مقالات الكاتب