رِفقةٌ فوق السحاب !
ان تلتقي بشخصيةٍ ذات حضورٍ وتجلسَ معها فتلك من المناسبات السعيدة، فما بالك إن كان هذا اللقاء رِفقةً فوق السّحاب .. وبين الأرضِ والسماء !
لقاءٌ جميلٌ جمعني بالسيد الحبيب عمر بن سالم بن حفيظ، ساعتين من الزمن بينما كنّا نُحلّقُ معاً في طريقنا إلى مدينةِ جدّه، كان لقاؤُنا أيضاً مُحلِّقاً كما كان حالُنا.
شخصيّةٌ متواضعة بسيطة، بساطة أسلوبها الذي ليس فيه من تعقيدات كثيرٍ من أهل المكانةِ والشّهرة، شخصيّة تُجيد الإنصات إجادتها للحديثِ الّلبق الجميل ..
ساعتانِ مُحلّقة مرّت سريعاً في رفقة السيد الحبيب عمر بن حفيظ كدقائق معدودات لكنهنّ ثريّاتٌ غنيّاتٌ مفيدات، بعد أن طاف بنا فيها الحديثُ على كثيرٍ من محطّاتِ الأمّةِ عامّة وقضايا مجتمعِنا خاصّة، من حال الفرد المسلم وما آلت إليهِ أحوالُه ديناً ومعيشةً وقِيَماً وأخلاقا، إلى حالِ الأسرةِ المسلمة وما يتجاذبها وسُبل إصلاحِها وتقويمِها والحفاظ عليها كحصنٍ حصينٍ لهذا المجتمعِ ودينِه وقِيمِه، إلى واقعِ مجتمعِنا في حضرموت وما تتنازعهُ من أحداثٍ ومتغيّرات.
وفي ثنايا ذلك كُلّهِ كان الحديث عن بعض المبشّرات الجميلة التي بدأت تنبتُ في مجتمعِنا من بين كل ذلك الرّكامِ من الأحداث والمعوّقات، وكان إبرزها شبابنا القادم بحُبِّ الخيرِ وفعلِ الخير، فكم كان السرورُ بادياٍ على وجه السيد عمر وأنا أحكي له عن ثقافة التطوّع التي تجتاحُ شبابَنا، وعن الملتقيات والمنتديات الشبابيّة التطوّعيّة للأولادِ والبنات التي تتناثر في أرجاء المدُنِ والقرى تنشرُ الخيرَ وتقومُ عليه.
لقد كانت خُلاصةُ هذا اللقاءِ المحلّقِ أنّ مناطَ الأمرِ كلّه لصلاح المجتمع والأسرةِ والفردِ هو بإصلاحِ الصّلةِ بالله سبحانه أولاً، وذلكَ بالتركيزِ على قيمِ التّربيةِ الصالحة، بالعودةِ إلى تهذيبِ النفوس وتزكيَتِها، بالعودةِ إلى قِيَمِنا ومبادئنا التي لطالما كانت زاخرةً مُعاشةً واقعاً بيننا، وكنّا مدرسةً فيها نُعلّم فنونَها للدنيا بأسرِها، فإذا بها اليومَ تنسَلُّ من بينِنا.
لقد كان التأكيدُ واضحاً على ضرورةِ العملِ على تقريبِ وجهات النّظر وتمتين أواصرِ المحبّةِ في المجتمع بين جميعِ أبناءِهِ ونشر ثقافة التعايش والقبول بين الناس.
كم كان اللقاءُ المحلّقُ جميلاً، فقد أكّد لنا أن التّقاربَ أساسُ التعايش، أكّد لنا أن ما يجمعنا أكثرُ بكثيرٍ ممّا يُفرِّقُنا، أكّدَ لنا أن من أسوءِ ما يكون أن نسمعَ عن بعضِنا من غيرِنا، أكّدَ لنا أن الهمّ واحد والخروج منه لن يكون غير بأن نجعلَ الجُهدَ واحد والمقصِدَ واحد.
حقاً كم سعدتُ بهذا اللقاء .. وبهذه الرّفقةِ فوق السّحاب ..
لطيفة:
بينما كنتُ مع السيد عمر بن حفيظ إذ أجرى اتصالاً شدّتني فيه التّسميةُ التي أطلَقَها على جهةِ الاتصال إذ كانت (سيدتي الوالدة) - ولعلّه تطفّلاً لا يليقُ منّي ولا ينبغي - غير أن التأدبَ الجمّ في الحديث مع والدتِهِ أبهرني وهو في هذا المقامِ وهذا العُمر وعلى هذا القدر، فكم كان متلطّفاً متذللاً في كلامه، حانياً في سؤالِهِ عنها والتحسّس من أحوالِها، مُخبراً إيّاها عن كُل ما عمل، طالباً دُعاها ورضاها، وكم راقني حينما سمعته في آخرِ مكالمتِهِ يقول لها (قبلتُ الوداعة)، فأرجعني بالذاكرةِ إلى بابِ منزِلِنا يوم كانت تقفُ والدتي مودّعةً عند خروجنا وهي تقول (استودعتكم الله) ولا تتركنا نذهب بأيّ حالٍ حتى نقول لها (قبلنا الوداعة)، إنّها أخلاقُ النّبوّة وآدابُها، وقيمُ مدرستنا التربويّةِ الخالدة، التي لا نكون ولن نكونَ إلاّ بها .. فهل إلى مردٍّ إليها من سبيل ؟!!