العسكر والربيع العربي
صَنَع العسكر وجودهم ودورهم ونفوذهم، في علاقات وروابط ومصالح متعددة ومعقدة، على مستوى الداخل والخارج، ووقفوا موقف المتحكم بأزرار ومفاتيح القرار والسيطرة المطلقة،التي امتدت إلى مختلف جوانب الحياة في الدول والمجتمعات العربية، جاهلة أو متجاهلة لحدوث أي مفاجئات، بإمكانها قلب موازين الأمور، وإرباك رتابة الأوضاع المعتادة، على امتداد وتتالي عقود الحقبة الديكتاتورية التي توالت عليها أنظمة الحكم الاستبدادية الكابحة لحركة شعوبها المقهورة ، تحت أقدامها يتوارث ويورث فيها شرّ سلف إلى أشرّ خلف؛ إلا فيما ندر من النماذج والصور..
وحين أذن الربيع بميلاد أمة جديدة في بلداننا العربية، هبّت رياح التغيير التي أفرزت واقعاً مختلفاً وجديد لمجتمعاتنا العربية، لتفصل بين زمنين ومشروعين: الأول: يدافع عن حياة القطعان، والآخر: عن مشروع الإنسان..
ولعل أهم معطيات التغيير الأولية، تتجلى في اختلاط الديني باللاديني والثقافي بالفكري والإيديولوجي بالسياسي واللسان بالسنان والرجعي بالتقدمي، على غير الفرز المعتاد والمتعارف عليه قبل الربيع، مما يدل على أن المسألة قد اختلفت كثيراً، في نمط التصنيف السائد، على أسس دينية أو ثقافية أو عنصرية.. إلخ.
وهكذا راح كل فريق يتجه إلى أفقه الجديد، ليعبر عن موقفه ورؤيته المنبثقة عن تفاعلات وقناعات واقع المرحلة الجديدة، التي تحدد موقعه ومكانه كفرد أو طائفة أو حزب أو جماعة أو ثقافة، بناء على عناصر أخرى تتصل بمحيطها أحيانا وتنفصل عنه أحايين، متجاوزة حدود الأقطار ومفهوم الانتماءات والتحالفات النمطية السابقة المتعارف عليها قبل2011..
وبعد مرور سنوات الربيع الثلاث،كان واضحا من أن الخارج أقرب مما ينبغي لما يدور في الداخل، يراقب عن كثب، بخبرة وتوجس ورويّة في القياس والتقويم لحركة المجتمعات، وتبلور التحركات المنتظمة والعشوائية، على المستويين الرسمي والشعبي، يترقب محطات الدوران، ليوجه مساراتها بصورة مباشرة وغير مباشرة، تدفعه القناعة المعتادة بخطورة التحول الحضاري، الذي يبدأ من بلورة الأدوات المدنية، كخطوة أولى على طريق التحول إلى مشروع بناء الدولة الديمقراطية، المعبرة عن روح وقيم الأمة الناهضة..
وهنا يتحول حكم العسكر إلى قاسم مشترك وهدف تسعى كل قوى الإعاقة في الداخل والخارج، للاستعانة به على قمع تطلعات الشعوب، لتحول دون نجاح وتبلور قاعدة الانطلاق إلى مشروع المستقبل وتمدده وتأثيره الإيجابي على محيطه الذي يتناغم مع إيقاعه، سيمّا إذا كان هذا البلد يمتلك كل المقومات والعوامل التي تعيد صياغة العلاقات وتبادل المصالح وفق أولويات وأسس استراتيجية وفق الأولويات والمصالح والامن القومي للأمة، والتي تنعكس وتؤثر على مصالح الإقليم والعالم بشكل مباشر وغير مباشر، وبالذات على دول النفط التي باتت المعركة في مصر معركتها الأساسية للحفاظ على أنظمة حكمها الملكي المطلق، والحيلولة دون وصول انتقال عدوى الربيع العربي..
إن تنكيل العسكر بالقوى المدنية ،التي أفرزتها ثورة 25يناير، وعلى رأسها حزب الحرية والعدالة، وحركة الإخوان المسلمين، الذي تمارس بحقهم أبشع صور الهمجية والتنكيل، وآخرها أحكام الإعدام الصادمة والكاشفة لأسوأ وأقبح صور الانتكاسة التي وصل إليها القضاء المصري المسيّس..
إن مايحدث في مصر اليوم ليس مجرد إجهاض للديمقراطية فحسب؛ بل يتعداه إلى مصادرة حق الحياة الإنسانية والمدنية، لكل قوة حيّة مؤهلة للتفويض للشعبي خارج دائرة نفوذ العسكر، وصولة البيادة الموكلة بوأد مشروع نهضة مصر في مهدها ، ومن ورائها أمة متوثبة للنهوض، كما حدث من قبل، مع مشروع نهضة مصر أيام (محمد علي باشا الكبير))؛ قبل مايقرب من قرنين من الزمان..
وهاهو التاريخ يتكرر، من خلال أدوار وشخوص ومؤامرات جديدة وأساليب متعددة؛ قد تتقهقر فيها إرادة الأمم الحية لكنها حتماً لاتُقهر.