لعبة الحرب في اليمن (19)

مارست امريكا وبصورة مباشرة عملية التدجين للانظمة العربية و مارسة عن طريقها التدجين لشعوب وبعملية تربوية ونفسية معقدة امتدت بعمر ثوراتهم التحررية،التي عرفت امريكا كيف تطفئ جذوتها في نفوس العرب الاحرار، وعملت مبكرا على اقصائهم عنها وفك الارتباط غير المعلن معها، حال تخلصها من الزعامات العربية المناضلة وتسليم مقاليد الحكم لاتباعها في المنطقة،الذين استغلت شبقهم لسلطة وعشقهم للتسلط واوقعتهم  في احابيل سياساتها الجهنمية الممنهجة طوال فترات حكمهم الافتراضي التي عاشوها تحت مقصلة سيف امريكا البتار  وسيف لعبتها بالمؤمرات الوهمية عليهم لترعبهم، وتجعلهم يتأكلون على نار الشكوك القاتلة بالخوف، ونسج القصص الخيالية المبدعة عن حجم ضلوع الشعوب في المؤامرات عليهم   وبايعاز خفي من القوى الوطنية والثورية في المجتمع، وهو ماخلق لهم المبررت لكل التجاوزات التي ارتكبوها بحق الجميع  والتي ترقى الى جرائم بحق الانسانية طوال حكمهم، لتمعن امريكا في التشديد والضغط عليهم وزيادة تروعيهم بتحريك ملفات جرائمهم باتجاه العدالة الدولية في حال عدم اذعانهم لها .الامر الذي ضاعف من اسباب  انعدام ثقة الشعب بالنظام،وفاقم من مظاهر الاحتقان النفسي الواضح بين الشعب وقواه الوطنية الحرة من جهة وبين النظام من جهة اخرى، وباتا على درجة واحدة من التوجس والخوف المتبادل بينهم، وعاشا كلايهما على النقيض و السير بخطين متوازيين. وقابلين لتصادم والتقاطع في اي لحظة، وكما اسلفت عرفت امريكا كيف توظف جهل الانظمة بالسياسة وعجزها الواضح على فهمها لصالحها وتسهيل خدمة اهدافها المطلوبة منها واعتمادها الواضح  على سياسة النفس الطويل مع الانظمة  ومجاراتها لطبيعة الاوضاع الخاصة لكل بلد والدفع بها لتحقيق القطيعة مع الثورة والعداء مع النظام.

وهكذا انتهجت امريكا سياسة جهنمية مع المنطقة وانظمتها التي احرقت نفسها في عيون الشعب جراء تصرفاتها الطائشة وعدوانيتها المستمرة عليه .

وفي اليمن ظل هاجس المؤامرة يسكن بقلق كبير رأس نظاميها في الشمال والجنوب وهو على ارتباط وثيق بكابوس الريبة في دول الجوار،وسيطرت التفكير الحاد والمشترك بينهم  بان دول الجزيرة والخليج هي  مصدر الخطر الداهم والقادم والمنتظر على اليمن بشطريه في اي وقت ،دون ملامسة تفكيرهم العقيم،نسبة الشعب اليمني العائش باكثر من تسعة وتسعين بالمائة على هذا البلدان .

و كانت المملكة على وجه التحديد الكابوس الاشد  رعبا لنظامي الحكم في اليمن ، بل باتت من وجهة نظرهم واطروحاتهم العدو غير المعلن لهم والساعية بكل ثقلها المالي والاقتصادي للعمل على زوال نظاميها من الوجود،وابقائها رهينة التخلف والفقر.

وان كان نظام صنعاء  ينظر للمملكة بعين امريكية، وينظر لها بعين روسية في عدن مع اعتقادهم الراسخ بانها فقاسة الطابور الخامس المستحكم في عداوته معهما و المستوجب القضاء عليه وقطاف رؤوسه مع فتنها النارية المحرقة بالنسبة لهم.

وجرى بهذا المستوى من الضغينة تسميم الاجواء السياسية في اليمن بشطريه انذاك دون اغفال او تجاهل لعمق العداء المستحكم بين النظامين والذي يتجاوز جغرافية اليمن ونظاميها الى المستوى الدولي، نتاجا لصراعات الدائر بين قطبين السياسة العالمية امريكا وروسيا ومجريات تصفيات الحرب الباردة بينهم على خريطة العالم الثالث. واستفحلت العداوة وبلغت اشدها وبات الكل مطلوبا للاخر وباي ثمنا كان.وبالتأكيد بان واشنطن وموسكو  كانت على اتفاق على ادراة قواعد اللعبة في اليمن وفي غيرها من بلدان الجمهوريات العربية.

وتخلصت اليمن بالوحدة من  شر واحد من نظاميها المستبدين،حيث حكم جنوبه بنظام قمعي ديكتاتوري رهيب وحول جغرافية هذا الشطر الى جحيم وسجن كبير للشعب والافكار. وكان الضحية الاولى لسياساته العقيمة والمتناقضة مع واقع وحياة الشعب اليمني شمالا وجنوبا.واستجاب النظام في شمال الوطن لمتغيرات المرحلة وتعامل معها بالمرونة المطلوبة مما ساعده على الصمود والبقاء في عنفوان وقلب تيارات حياتها السياسية الجديدة وقائدا لها.وترافق ذلك مع انطلاقة  العالم لدوران في فلك القطب الامريكي الاوحد ، وافول القطب الروسي وتواريه عن الانظار ليصبح من موروث النظم السياسية والفكرية في ذاكرة الشعوب.

ومن يومها اصبحت امريكا هي المتحكم الدولي المباشر في نظام صنعاء وفي غيرها من بلدان المنطقة والعالم. وتلعب بالمكشوف عليها. وتعمل على دفعها للهرولة و الانزلاق نحو المجهول ولو بعد عمر طويل، لا بعد حين.

مقالات الكاتب