حكاية شهيد

 صلاح ؛ كلمة تعني إستقامة وسلامة ، ورشاد وكمال وخير وخلو من العيب.


و "صلاح " أيظاً إسمُُ لواحدٍ من قائمة شرف تضم 52 شهيداً صعدت أرواحهم النقية الطاهرة إلى خالقها مباشرةً عقب صلاة الجمعة الماضية برصاص التوحش والبربرية للنظام " المعنوز ".


صلاح ؛ إسمُُ لواحداً من الكثيرين بلا عدد المنتمين لهذه الأرض ، والحالمين بغدٍ أفضل على ربوعها ، والمتطلعين لمستقبل مشرق يتلائم مع بريق عيونهم ، وهم يقفون بين يدي خالقهم ظُهر الجمعة الماضية في ساحة التغيير والحرية والكرامة.


صلاح عبدالله الشرماني إبن العشرين ربيعاً ، خريج الثانوية العامة ، كان يقف على عتبة الجامعة / المؤسسة لإكمال دراسته ، وكان يقف أيظاً على عتبة الجامعة / الثورة ، في ساحة التغيير مشاركاً في صلاة الجمعة من أجل الحرية ، وهو أحد الذين قصف ، تشبث النظام وعناده وإجرامه ، أعمارهم ، وأجسادهم الطرية ، من أجل إطالة أمد النظام الحاكم ، وبث الرعب في أوساط شعبه.


كان صلاح ضمن مئات الآلاف قدموا الى ساحة الحرية ليرسموا لوحة نموذجية لشعب يتوق الى الحرية ؛ شعب يستلهم تاريخه العظيم ويحوله الى إرادة حرية تتجسد بين يدي الله في صلاة جمعة جامعة يقف فيها اليمنييون كتفاً بمحاذاة كتفْ ، وروحاً متمازجةً مع روح أخرى بجانبها ، وبريق عيون يتوحد في فاتحة القرآن ، وتلاوة ما تيسر من آيات الله ، دواءاً للشعب من الطغيان ، ونشيدً ربانياً يدعو الخالق أن ينصر خلقه في وجه القوة والجبروت الفاني ، وفي وجه النيران العمياء لوحوش الديكتاتور.


لم يتأبط شراً هذا الشاب القادم من قرية " هُمّيْرِيِمْ " ذروة القرى الحميرية ، والجبال المنقوشة بتأريخ ملوك حمير العظيمة ، وعنوان التاريخ اليمني المشرق ، وبلاد " السكاسك ، والسكون " التي أفاض أبو الحسن الهمداني في ذكرهم ، في سياق ريشته التي رسمت لوحة اليمن ، وأبانت تضاريسها ، وناسها ، وتاريخها.


لم يحمل سلاحاً ، ولم ينطوي على شر مقيت كذلك الذي يتوفر في مخازن الطاغية ليعبيء به " يمنيين " آخرين بالكراهية والعدوانية ضداً على يمنيين آخرين ، لا لشيء ، إلا لإدامة خضوع الناس ، وكسر إرادتهم ، كسر الإرادة والإخضاع لعموم اليمنيين ، وليس فقط من خرجوا الى الساحات وأصطفوا مع شعبهم من أجل التحرر ، وبعث هوية اليمن ، واستعادة موضعها على قضبان الحياة والحرية والكرامة.


كان صلاح يمنياً بحق ، وكان فقط حُراً ومتوهجاً ، وكان شهيداً وورداً جديداً ، تفتح في موطن العرب الأول مع خمسين شهيداً ونيف أرادهم الله أعزاء كُرماء ، وأحراراً.


هكذا هو قدرهم ؛ أن يموتوا شهداء محلقين في العالي. وهو " قضاء وقدر " يمكن أن يأتي عادياً ومألوفاً لأي إنسان بحادث مرور عابر أو جلطة أو سرطان أو رجمة غَيْبٍ لا تدري من تجيء


أدعو الله أن يفيض عليك يا صلاح ، وعلى حشد الشهداء بجانبك ، برحمته وسكينته ، ودوام صحبته ، وأدعوه جل وعلا أن يجبر أهلكم في اليمن من أقصاه إلى أقصاه بالصبر ، والسلوان ، ... والحرية.


"نُشر هذا المقال في صحيفة الأولى يوم الاثنين الموافق 21 مارس 2011 "

مقالات الكاتب