الموت يحاصر عدن من كل الجهات

لم تشهد مدينة في العالم -على مرِّ التاريخ- اجتماع الكوراث البشرية والطبيعية في وقت واحد إلا عدن،فالمدينة التي لم تتعافى من آثار الحرب،وما ترتب عليها من مخلفات مأساوية كغياب السلطات الرسمية،وانتشار الفوضى الأمنية،وانقطاع الخدمات الضرورية  كالمياه والكهرباء،والرعاية الصحية حتى عصفت بها كارثة السيول التي أغراقت  منازل المواطنين،وجَرَّفت ممتلكاتهم،وفاقمت مأساتهم ليجد المواطن نفسه وحيدًا في مواجهة مصيره دون أي مساعدة من الجهات الرسمية التي يتنازع قراراها سلطتان غائبتان لاجود لهما إلا في فضاء المعارك الكلاميَّة عبر وسائل الإعلام التي تسعرها أبواق الأطراف المتصارعة،فقبل أن تجف مياه السيول استيقض سكان المدينة على خبر فاجعة ثالثة حلَّت بهم بعد أن كشف سكان محليون عبر مواقع التواصل الاجتماعي انتشار وباء كورونا رغم محاولات التعتيم التي تمارسها السلطتان الغائبتان لإنكار تفشِّي المرض في أوساط السكان،وما صاحب هذا التعتيم من خطوات تمويهيَّة تمثَّلت في رفع الإجراءات الاحترازية الهشَّة التي أعلنت عنها السلطتان الغائبتان خوفًا من ردود الفعل الشعبية الغاضبة،وفي ظل متواليات الفراغ والعجز الرسمي،وخيبات الأمل الشعبي لجأت السلطتان الغائبتان لحيل الكذب والخداع لتزييف الوعي الشعبي عبر الأجهزة التابعة لكل منهما من خلال التقليل من أضرار السيول،ونفيها المطلق لوجود جائحة الوباء العالمية التي تجتاح مدن العالم،للهروب من تحمل المسؤولية القانونية، والأخلاقية التي خلفتها الكوارث البشرية والطبيعية في المدينة،وترك السكان يواجهون مصيرهم دون أي شعور بمسؤولية قانونية،أو واجب وطني،أو شعور إنساني .

لقد بات لزامًا على جميع المواطنين رفع أصواتهم لكسر جمود الصمت،واختراق جدار التعتيم الذي تمارسه السلطات المتنازعة؛بتأيد وتواطؤ من دول التحالف،لمناشدة الضمير الإنساني، والمنظمات الدولية،والمؤسسات الحقوقية لانقاذ المدينة المنكوبة التي تعصف بها الصراعات الخارجية،والكواراث الطبيعية،ليسمع العالم صوتها،ويرى مأساتها، ويطلع على حجم معاناتها التي جعلت من سكانها فريسة للصراعات العقيمة المزمنة،والكوارث المدمرة، والأوبئة القاتلة .

فموت الإنسان محاولًا الدفاع عن نفسه أشرف،وأجدى من عار خنوعه، واستسلامه،فإن لم تجدْ المحاولة في دفع البلاء فلاشك أنها ستكشف من يتحمل آثاره الإنسانية، وتبعاته القانونية.

مقالات الكاتب