التعطيل بطريقة شرعية

لو نظرتم لحال مؤسسات الخدمة المدنية في عدن، ستجدونها تشكو حظها، وأوقعها في ظروف لم تكن تتوقعها، بعد أن صارت عدن عاصمة مؤقتة لليمن.
وأصبحت مؤسسات الدولة في عدن خاوية على عروشها، فقد أطبقت عليها وزارات الشرعية، وأخذت وظائفها وجعلتها عاطلة وبطريقة شرعية.

وزارات عبارة عن (فيلل) يسكنها عدد لا يتجاوزون أصابع اليد، ومن جنسيات غير جنوبية، ويطبقون قوانين النظام التركي - العثماني، ومعظم أوقاتها فارغة ويدفعون الملايين مقابل استئجارها.
عدن مدينة المؤسسات التي لا غبار عليها، تطبق أنظمة عصرية، همشت وأصبحت مؤسسات للأشباح،

ويجري استنزاف هذا البلد ماديا وبشريا بعد أن كانت المؤسسات في عدن ركناً سياسياً للتطور المعرفي والاقتصادي.
انظروا إلى حال مكتب الإعلام في عدن، الذي كان موظفوه يلاحقون المعلومات الإعلامية، وتحت نفوذهم أجهزة إعلامية تلفزيونية وإذاعية ووكالات أنباء، ويعتبر الإعلام خلية إعلامية خيوطها تعمل إلى كل مكان، وأجهزة معمرة تخدم العمل الإعلامي.

واليوم أصبح مكتب الإعلام مهددا بالسقوط إثر المواجهات العسكرية التي جرت في عدن، ولم يلتفت إليه أحد، وانظروا إلى حال مكتب الخدمة المدنية والعمل، فقد أصبح كعش الدبابير، وهو الذي كان يصوغ العمل المدني برؤية عصرية مواكبة للتطورات في العالم، الآن لا يدخله أحد فقد همش هو أيضاً.
ومؤسسات الثقافة أصبحت مكانا للهرج والمرج، بينما وزارة الثقافة المؤجرة لا تعمل شيئا، والشكاوى حولها كثيرة عما تنفقه من أموال مرصودة لتطور الإعلام وتذهب للسفريات والنفقات الخاصة لهم دون غيرهم.

وكان المتوقع من وزارة الإعلام أن تبني قصرا للثقافة في عدن من صندوق أموال التراث أو على الأقل تجميع الأدباء والفنانين وأخذهم في رحلات ترفيهية بحكم عملهم الإبداعي، ولا حتى صرفت الثقافة للفنانين المرضى الذين يستحقون العلاج.
عدن عاصمة مؤقتة لليمن، لم تضف قيمة إجمالية لمؤسسات عدن، بل همشت دورها، وستكاد أن تحل محلها، لهذا عندما سألت أحد المعمرين عن عاصمة عدن المؤقتة، قال عاصمة مؤقتة يجب أن ترحل إلى المنفى المخصص لها ووزرائها، وليس مكانها عدن.

وعدن مدينة تجارية حرة، يحكمها مجلس بلدي، ومجلس تشريعي، وقضاء مستقل، وبوليس غير مسلح، وكانت عاصمة اتحاد الجنوب العربي (مدينة الشعب)، أما عدن فكانت لها مؤسسات حكومية وقوانين نافذة تصدرها حكومة عدن.
أنا أنظر إلى عيون الموظفين في عدن، فأجد فيها حسرة وتحسر على واقع مرير يمرون به، فهم عاطلون بلا شك بطريقة قصد وتقصد، سلبت منهم وظائفهم ويكادون أن ينسوا مؤهلاتهم، لأنهم مهمشون بطريقة شرعية، فقط يأتون في نهاية كل شهر كي يستلموا رواتبهم.

والمفروض أن تجرى معالجة لهذه الأمور، ولا تظل الأمور تسير بشكل عشوائي، يجب تنظيم العمل بين مؤسسات عدن التي يجب أن تتحمل كل شيء يتعلق بعدن، وبين شرعية يجب أن يخصص لها وزارة واحدة، ترعى شؤونهم الخاصة ولا تتدخل في مؤسسات عدن.
أعيدوا الأمل لمؤسسات الدولة في عدن، وطموح موظفيها، في مواصلة التطور الجاري إقليميا ودوليا، أما الذي يجري الآن في عدن فهو الإحباط الحقيقي والتدهور المتنامي للنفسية الجنوبية والبيولوجية، وكما يقول المثل اللحجي (لا أنه حبني وتم، ولا أنه كفاني بلاه).

مقالات الكاتب