فرّق تسُد أو اجمع تُسيّد!

الاستعمار حيثما حل، ما إن يخرج من أي بلاد إلا وضع لها مشكلة عويصة تظل قائمة ومستمرة حتى بعد رحيله، وهذه المشكلة تكمن في مبدأ "فرق تسُد".

والاستعمار بكل أشكاله وألوانه وأيدولوجياته لا يرتبط بدولة واحدة، بل إن العديد من الدول تفننت في تطبيق هذا المبدأ، فهناك دول كبيرة طمعت في موقع وثروات دولة صغيره، فراحت تلتهمها بكل أضراسها، وعند رحيلها دمرت أصولها ومواردها المالية والاقتصادية والبشرية.

ودولة أخرى تخرج من دولة استعمرتها دون أن تلمس أي أصول أو موارد من مواردها، ولكنها بدلاً من ذلك تضع لها مبدأ فرق تسُد، تدمر حياتها وتجعلها تعيش ألوان العذاب جراء هذا المبدأ الذي يجمّد حركة التطور ويساعد على هجرة العقول النيرة.

وحين يقال للاستعمار "احمل عصاك وارحل"، فإنه يخضع للأمر الواقع، فيرحل لكن عصاه لم ترحل معه، إذ تظل تفعل فعلها في المجتمع، ويتم تحريكها عن بُعد.

مشاكل البلاد المستعمرة لازالت شاغلة بالها ولا تعرف لها طريق تخلص منها، وهذه دولتا الهند وباكستان لازال يهدد كيانهما إقليم كشمير، الذي لا يزال الصراع قائماً بينهما عليه.

ومشكلة والصحراء الغربية بين المغرب والجزائر، والمشكلة التي جمعت السنة والشيعة والأكراد في عراق واحد غير متحد القوميات.

وفي الجنوب الغربي مورست فيه سياسه (فرق تسُد)، بين المنطقة الوسطى الثالثة، والمنطقة الثانية (ابين - لحج)، حيث منحت المنطقة الوسطى الثالثة أفضلية عسكرية، حيث تحققت بقوى عسكرية نظامية شهدها الواقع بكفاءتها وأعني بذلك (شلة العقداء)، وكانت هي المهيمنة عسكرياً في ذلك الوقت لكن بعد نيل الاستقلال تحول ميزان القوى إلى المنطقة الثانية. وبناء على مبدأ فرق تسُد فقد دخلت القوتان في معارك وفي صراع مستديم على السلطة والثروة، وأصبحتا في وضع الأعداء بالوراثة.

لكن الإخوة الأعداء الذين فرقهما مبدأ فرق تسد، انتصرا في حرب عام 2015 على عدوهما المشترك (جماعة الحوثي)، وكان ذلك النصر تحت راية الوطن الواحد والشعب الواحد، موحدين الصف والإرادة

وكانت وحدتهما ضربة قوية لمبدأ فرق تسُد.

لكن مبدأ فرق تسُد لم تتم هزيمته النهائية، وظل يتربص بحلول الظروف التي تجعله يقوم بدور (الزوج) المعطل.

وبعد هذه الحياة الطويلة والمتعبة على القوى التي انتصرت في حربها على الحوثي أن تستبدل ذلك المبدأ بالمبدأ اجمع تسيّد.

فمبدأ فرق تسد أسوأ المبادئ في السياسة الدولية، إذ يجعل حركة الحياة جامدة واقتصادها في غرفة الانعاش ومجتمعها تعترية الأمراض.

ولابد أن يدرك الجميع بأنة لا نصر يتوقع نجاحة في البيت الداخلي إلا بوحدة أواصر الدم والمنفعة المشتركة والثقة بالآخر، مالم فالجنوب سيظل يحمل على عاتقه مشكلة كشمير والصحراء الغربية وقوميات العراق.

وقد يكون العدو القابع على الحدود أخطر عدو من ذلك العدو الذي تناصبه العداء في الميدان وأن العدو الذي تفهمه ليس أكثر خطراً من العدو الذي لا تفهمه.

يجب التغلب على مبدأ فرق تسد بمبدأ آخر يجمع ويسود، فالفرقة ولت إلى غير رجعة، والإجماع الوطني هو المبدأ الذي نشير إليه وهو اجمع تُسيّد.

مقالات الكاتب