فتنة الألف عام ..!

الهادي يحيى بن الحسين ليس غريبا عنا كما اعتاد كثيرون أن يصفوا.. فقد قدم من الرس .. والرس ليس عنا  ببعيد ..!  وقد استقدمه بعض خولان بن عامر من أجل أن يحل بينهم السلام  والوئام في زمن غابر ، لكن لم يتمخض  عن مشروع يحيى بن الحسين مع الزمن، سوى  الفرقة والعداوة والخصام وحرب الألف عام التي لا تزال مستمرة إلى يومنا هذا .

نعم، يحيى الرسي ليس غريبا فهو من أبناء جزيرة العرب ، لكن الغريب والمستهجن هو فكره  المجحف الذي يقوم على السيف والعنصرية والإصطفاء الإلهي  .. ولا نبرر إذا قلنا إن  الرسي ليس وحده الذي أتى في زمن مضى، بخرافة عنصرية لاهوتية وصدقها، وسُفِكت بسببها أنهار من دماء اليمنيين عبر القرون، فقد تحكمت العنصرية والكهنوت في كثير من بقاع العالم قرونا طوالا  ... لكن العالم  عمل على التخلص من عار العنصرية  والكهنوت وآثارها ، إلى الأبد كما يبدو، فيما لا يزال بعض قومنا يدينون بها ويتعبدون الله بها، ويسفكون الدم الحرام جهادا في سبيلها.

عندما تشاهد هذه الأيام تلاميذا صغارا من صعدة،  وربما غيرها، يُلَقَّنُون ويرددون ما يشبه القسم  قائلين في شكل جماعي بصوت مرتفع  : " .... وأن نتولَّى من أمرنا الله ورسوله بتوليه : سيدي ومولاي عبد الملك بن بدر الدين الحوثي"،  تدرك حجم وخطورة كارثية الفكرة الضالة التي لا تزال تعشعش في بعض الرؤوس منذ أكثر من ألف عام ...،  وتتساءل ، كيف أن اليمنيين لم يستطيعوا  التخلص من هذه العقيدة الكهنوتية الباطلة  طوال القرون ..؟!

بعضهم ومنهم حملة شهادات عليا، قد يقولون ويحاجون مثلما قالوا وحاجَّنا بعضهم منذ أكثر من عشرة أعوام  : هذه حرية عقيدة.! .

ونقول : نحن مع حرية العقائد على اختلافها،  لكن بشرط أن لا تكون عقائد قاتلة، مجحفة بكرامة الإنسان ومدمرة للأوطان، ومخلة بمبادئ العدل والمساواة .

تصدى كثيرون عبر القرون لهذه الفكرة الشيطانية المهينة ، ومنهم مفكرون كبار مثل الهمداني، ونشوان الحميري  والمقبلي والزبيري، غير أن حرب العشر سنوات الأخيرة تقول : مشروع الكهنوت العنصري لا يزال يعشش، ويعيش ويدمر ويفتك.

قبل أكثر من خمسين عام أشار الأستاذ أحمد حسين شرف الدين، في كتابه  " اليمن عبر التاريخ" باقتضاب إلى ما خلفه صراع الإمامة على اليمن :  ".. من تطاحن وانقسامات لا تتسع لذكرها غير المجلدات الضخمة ثم ما خلفته من ضغائن وأحقاد بين القبائل جعلتهم يعيشون في صراع مستمر وفوضى مستحكمة" وفقا لتعبيره .

ولعل الأستاذ شرف الدين -  وهو حفيد أحد أعتى الأئمة ، المطهر بن شرف الدين-  الذي حرر كتابه قبل ثورة سبتمبر ونشر الطبعة الأولى منه في مطلع 1963،  كان يظن أن فتنة الإمامة وعقيدتها ستكون من التاريخ بعد ثورة سبتمبر ، ولم يتوقع هو أو غيره أن فتنة الألف عام قد تطل بقرونها من جديد في غضون أربعة عقود .

ولا يلام الحوثيون وحدهم في كلما يحدث الآن، فإن فشل الذين حكموا بعد ثورة سبتمبر 1962 وخصوصا العقدين الأخيرين من  عهد صالح، حيث ساد فساد مهول وتدمرت قيم الوطنية والنزاهة والعدل، حفز ظهور مشاريع مدمرة ومنها الحركة الحوثية المستندة إلى إرث الإمامة وأساليبها في العنف والخراب والفوضى ، والنزعات الإنفصالية التي تحولت إلى مشاريع لا يخجل منها الذين يتبنونها كما كان الحال قبل سنوات فقط.. !

بعد أن تضع الحرب أوزارها  سيلزم اليمنيين جهد نوعي ممنهج  غير مسبوق يؤسس لنظام يحول دون تحكم اللصوص في مصائر البلد ومقدراتها  من جهة ، مثلما حدث في العقدين الأخيرين  ، ومن جهة أخرى، يسد منافذ الخرافة والكهنوت والفتنة إلى الأبد .

* سفير بلادنا لدى المملكة الأردنية الهاشمية

 

مقالات الكاتب