الانتصار بالأوهام..!!
في 22 مايو 90م اقترفت قيادة الجنوب السياسية خطاءً جسيماً , وذلك حين أقدمت على تسليم أمر بناء الدولة المدنية الحديثة إلى القوى التقليدية ( وفقاً لرأي متواتر د. أبوبكر السقاف), وبات هذا الخطأ الجسيم يتكرر غير مرة, حيث بات لسان حالهم" وهمٌ مفقود خيرٌ من حقيقة غائية" ( ماركس) , حيث صار الوهم يحكم تفكير معظم نشطاء الحراك الجنوبي وأنصاره ومن وراءه خطابه الإعلامي أيضاً ؛ بأنه يمكن إقامة الدولة الجنوبية المدنية الحديثة بالإرتكان إلى نفس القوى التي تتفق بالثقافة , وإن اختلفت في الجغرافيا .
ومما لاشك فيه, أن ذلك الوهم وقع فيه قيادة الحراك , وانسحب على قواعده أيضاً, حيث يعتقد حاملوه باستحالة الانتصار على القوى التقليدية التي غدرت بمشروع الوحدة إلاّ بنفس الأدوات,(1 ), ولذلك باتت القبيلة والتغني بها وتسويقها الملاذ الأمن الذي يبعث على الطمأنينة, ويذهب بعضهم إلى تسويق قبائل الجنوب أخلاقياً متذرعاً باختلافها عن قبائل الشمال," قبائلنا تسترد مفاتنها في زمن انقراض القبائل"( الشاعر الفلسطيني مريد البرغوثي), ولا يتوانى هؤلاء عن تسويق أفكار كهذه بوصفها "نوع من التفكير المرغوب فيه, الذي يحل محل الواقع"(2), ويتناسى هؤلاء أن الغدر بالجنوب " أخر المغدورين" وتقاسم غنائمه فعل شراكة أجترحته قبائل الشمال وقبائل الجنوب, ولم يختلفوا إلاّ بسبب أنانية بعضهم وشروعهم في إقصاء بعضهم الأخر , كما يتجاهل هؤلاء الواهمون أن هذه القوى لن تنتصر, ويستحيل بالمنطق التاريخي أن تنتصر, إنها تقود البلد والناس من فشل إلى فشل.
وفي اعتقادي أن مصير كهذا ينتظر الجنوب أيضاً , إذا ما ظل الناس في الجنوب مسكونين بهذا الوهم, وهم تحقيق مشروع الدولة المدنية عبر هذه القوى, لأن هذه القوى التقليدية انقسامية وإحترابية, وأستطيع أن أجزم, إن الوحدة السياسية للبلد المنشود حراكياً, لا يمكن لها أن تتحقق عبر هذه القوى, لأنه مثلما قوضت هذه القوى التقليدية " وحدة 22 مايو, وحدة الوهم " وأعاقت إقامة الدولة, فإنها لن تتوان عن تقويض أي مشروع دولة قادم, ويستحيل أن تكون أداة تحقيق الوحدة الوطنية. ومن لا يتعلم من عبر ودروس التاريخ ,يدفع أكلاف مضاعفة.
في الوقت الذي حقق الحزب الاشتراكي وحدة البلد, وحمل مشروع الوحدة الوطنية بمعزل عن تلك القوى, لكنه كان يشهد انقسام واحتراب, وذلك كلما استدعت بعض قواه الثقافة التقليدية ( القبلية والمناطقية) , أي أنه وعلى الرغم من مشروع الحزب المدني والحداثي إلاّ أنه تعرض إلى خيبات عديدة , وذلك كلما تسللت إليه ثقافة هذه القوى التقليدية في حسم تناقضاته واختلافات قواه.
ومن المؤسف هروب السياسي ـ صاحب المشروع المدني ـ عن تحمل تبعات فشل مشروعه ـ , والاستنجاد بنظرية المؤامرة بوصفها أسهل طريق للهروب والتنصل عن المسئولية, كما أنه من المعيب أن يلوذ بالإرباك وسيلة بغية أفشال مشاريع مخالفيه المطروحة, ويستنجد بالانتقام وسيلة للثأر من خصومه, وحين يختار السياسي وضع كهذا, فإنه يغادر حقل السياسة الفضيل إلى مستنقع اللؤم والرذيلة, وما أكثر اللئام والرذائل في مجتمعنا.
انتصار الناس المدني والحداثي انتصار أخلاقي أولاً, والأخلاقيات المدينية والحداثية أمر يختلف تاريخياً , كما يختلف حاملها الاجتماعي, وما يتجسد اليوم على الأرض رداً على مشروع فشل الوحدة لا يعدو أن يكون إلاّ أفعال انتقامية ينم عن قلة حيلة, ولا يعد مقاومة فعل الغدر عبر الانتقام سلوكاً عقلياً أو سلوكاً سياسياً, بقدر ما هو سلوكاً انفعاليا موطنه الأثير في العاطفة, كما أنه سلوك ما قبل مديني, أي لا يمت للمدنية بصلة, وسلوك يلوذ بالقبيلة لإقامة الدولة المدنية يفصح عن مفارقة , فلا يمكنك أن تحمل برنامجاً مدنياً أو تدعي نٌشدانهِ , بينما تستعير سلوكك من ثقافة نقيضة , القبيلة انقسامية وإحترابية بطبعها وطباعها, ويستحيل أن توحد الناس
أن استعجال الإنسان في رؤية الصورة الذهنية الجميلة التي يحملها في تجاويف جمجمته تدفعه إلى تبني خيارات خاطئة, كما أنه حين يقع العقل تحت نير العاطفة يتشوش الإنسان ويفقد القدرة على التفكير المنطقي وينساق وراء التفكير العاطفي, ويغدو الطريق إلى جهنم مفروشاً بالعواطف والانفعالات.
وإذا كان الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت(1596-1650م), قد أكد في مستهل كتابه (مقال في المنهج) على " أن العقل أعدل الأشياء قسمةً بين الناس", لكن عقول الناس تختلف نتيجة التدريب والمران, وعليه كل خطأ يرتكبه الإنسان يستحيل أن يكون للعقل موطئ فيه, فاخطأ الإنسان نابعة من تشويش العاطفة والتفكير الانفعالي, كما عزاه ديفيد هيوم (1711ـ1776م) إلى سيطرة العاطفة على العقل أو يصير "العقل عبداً للعواطف" , ولكي يفكر الإنسان تفكيراً صحيحاً , فإن العقل بحاجة إلى مجموعة من المزايا والصفات والأدوات, لعل أهمها بٌعد النظر والصبر والحٌلم والدقة وأن يتسلح بالمنطق , والقدرة على تميّز المواقف وقراءتها, وعدم التسرع في الحكم, وهذه لا تأتي إلاّ بالتدريب والمران, والعقول الكسلى يستحيل ان تكتسب هذه المزايا. ولهذا السبب يختلف الناس بعضهم عن البعض الأخر بالنظر إلى هذه الشروط.
وكل مرحلة من مراحل تطور المجتمع البشري تقابلها عقلانيتها الخاصة, ومسيرة تطور التفكير العقلاني بقدر ما يحكي لنا مسيرة استقلال العقل وارتقاء بنيته, أي مسيرة ترشيد وتحسين العقل لأدواته, فإن المسيرة تحكي تغير في البنية الاجتماعية أيضاً.
ولما كان " تاريخ العلم هو تاريخ التصحيح المستمر لأخطائه" ( كارل بوبر), ولأن السياسة علم, فإنه يلزم أن تكون السياسة تاريخ تصحيح أخطاءها المستمرة أيضاً.
والعقلانية المدينية لا تستقيم إلاّ مع حاملها الاجتماعي, لأن هناك منطق تلازم بين نمط المجتمع ورافعته العقلانية والاجتماعية, وعليه يستحيل أن تكون القوى التقليدية رافعة للدولة المدينية حتى لو تم تربيع الدائرة.
سامي عـــطا
1- ـ كنت قرأت لأحد نشطاء الحراك في الفيس بوست يقول فيه: والدي رحمه الله كان مدني التوجه, فلم يتحدث عن القبيَلة والقبائل إلى أن التقيت بالصدفة طبيباً قال لي: افتخر بأصلك فأنتم قبائل قوية !! .. لست معتاد على التحدث بقبيَلة لكن هذه ايامها .. نحن في زمن القبائل والشرفاء منهم تحديداً .. شرفاء القبائل يغيّرون التاريخ
2- ـ أنتقد الدكتور أبوبكر السقاف في مساجلاته مع الاستاذ عبدالله الأشطل على صدر صفحات صوت العمال دعاة الوحدة الفورية , ودحض وهم الخصوصية اليمنية المستندة إلى التماثل والتشابه بين الشطرين , وهي لحظة هروب المثقفين من مفاهيم سياسية واجتماعية صاروا يستعرون منها مثل" الصراع الطبقي" , وهي نفس الذهنية أيضاً ذهنية الخصوصية الجنوبية التي لا تفهمها داخل سياق الجدل بينها وبين المشتركات , وإن أي ظاهرة أو حدث لا ينظر إليه ضمن جدل الخاص والعام , الائتلاف والاختلاف يغدو تفسيراً يعتسفها ( أنظر الدكتور أبوبكر السقاف مقال بعنوان بعض إشكالات الوحدة اليمنية النظرية والعملية الحلقة الثالثة 8/12/88م)في 22 مايو 90م اقترفت قيادة الجنوب السياسية خطاءً جسيماً , وذلك حين أقدمت على تسليم أمر بناء الدولة المدنية الحديثة إلى القوى التقليدية ( وفقاً لرأي متواتر د. أبوبكر السقاف), وبات هذا الخطأ الجسيم يتكرر غير مرة, حيث بات لسان حالهم" وهمٌ مفقود خيرٌ من حقيقة غائية" ( ماركس) , حيث صار الوهم يحكم تفكير معظم نشطاء الحراك الجنوبي وأنصاره ومن وراءه خطابه الإعلامي أيضاً ؛ بأنه يمكن إقامة الدولة الجنوبية المدنية الحديثة بالإرتكان إلى نفس القوى التي تتفق بالثقافة , وإن اختلفت في الجغرافيا .
ومما لاشك فيه, أن ذلك الوهم وقع فيه قيادة الحراك , وانسحب على قواعده أيضاً, حيث يعتقد حاملوه باستحالة الانتصار على القوى التقليدية التي غدرت بمشروع الوحدة إلاّ بنفس الأدوات,(1 ), ولذلك باتت القبيلة والتغني بها وتسويقها الملاذ الأمن الذي يبعث على الطمأنينة, ويذهب بعضهم إلى تسويق قبائل الجنوب أخلاقياً متذرعاً باختلافها عن قبائل الشمال," قبائلنا تسترد مفاتنها في زمن انقراض القبائل"( الشاعر الفلسطيني مريد البرغوثي), ولا يتوانى هؤلاء عن تسويق أفكار كهذه بوصفها "نوع من التفكير المرغوب فيه, الذي يحل محل الواقع"(2), ويتناسى هؤلاء أن الغدر بالجنوب " أخر المغدورين" وتقاسم غنائمه فعل شراكة أجترحته قبائل الشمال وقبائل الجنوب, ولم يختلفوا إلاّ بسبب أنانية بعضهم وشروعهم في إقصاء بعضهم الأخر , كما يتجاهل هؤلاء الواهمون أن هذه القوى لن تنتصر, ويستحيل بالمنطق التاريخي أن تنتصر, إنها تقود البلد والناس من فشل إلى فشل.
وفي اعتقادي أن مصير كهذا ينتظر الجنوب أيضاً , إذا ما ظل الناس في الجنوب مسكونين بهذا الوهم, وهم تحقيق مشروع الدولة المدنية عبر هذه القوى, لأن هذه القوى التقليدية انقسامية وإحترابية, وأستطيع أن أجزم, إن الوحدة السياسية للبلد المنشود حراكياً, لا يمكن لها أن تتحقق عبر هذه القوى, لأنه مثلما قوضت هذه القوى التقليدية " وحدة 22 مايو, وحدة الوهم " وأعاقت إقامة الدولة, فإنها لن تتوان عن تقويض أي مشروع دولة قادم, ويستحيل أن تكون أداة تحقيق الوحدة الوطنية. ومن لا يتعلم من عبر ودروس التاريخ ,يدفع أكلاف مضاعفة.
في الوقت الذي حقق الحزب الاشتراكي وحدة البلد, وحمل مشروع الوحدة الوطنية بمعزل عن تلك القوى, لكنه كان يشهد انقسام واحتراب, وذلك كلما استدعت بعض قواه الثقافة التقليدية ( القبلية والمناطقية) , أي أنه وعلى الرغم من مشروع الحزب المدني والحداثي إلاّ أنه تعرض إلى خيبات عديدة , وذلك كلما تسللت إليه ثقافة هذه القوى التقليدية في حسم تناقضاته واختلافات قواه.
ومن المؤسف هروب السياسي ـ صاحب المشروع المدني ـ عن تحمل تبعات فشل مشروعه ـ , والاستنجاد بنظرية المؤامرة بوصفها أسهل طريق للهروب والتنصل عن المسئولية, كما أنه من المعيب أن يلوذ بالإرباك وسيلة بغية أفشال مشاريع مخالفيه المطروحة, ويستنجد بالانتقام وسيلة للثأر من خصومه, وحين يختار السياسي وضع كهذا, فإنه يغادر حقل السياسة الفضيل إلى مستنقع اللؤم والرذيلة, وما أكثر اللئام والرذائل في مجتمعنا.
انتصار الناس المدني والحداثي انتصار أخلاقي أولاً, والأخلاقيات المدينية والحداثية أمر يختلف تاريخياً , كما يختلف حاملها الاجتماعي, وما يتجسد اليوم على الأرض رداً على مشروع فشل الوحدة لا يعدو أن يكون إلاّ أفعال انتقامية ينم عن قلة حيلة, ولا يعد مقاومة فعل الغدر عبر الانتقام سلوكاً عقلياً أو سلوكاً سياسياً, بقدر ما هو سلوكاً انفعاليا موطنه الأثير في العاطفة, كما أنه سلوك ما قبل مديني, أي لا يمت للمدنية بصلة, وسلوك يلوذ بالقبيلة لإقامة الدولة المدنية يفصح عن مفارقة , فلا يمكنك أن تحمل برنامجاً مدنياً أو تدعي نٌشدانهِ , بينما تستعير سلوكك من ثقافة نقيضة , القبيلة انقسامية وإحترابية بطبعها وطباعها, ويستحيل أن توحد الناس
أن استعجال الإنسان في رؤية الصورة الذهنية الجميلة التي يحملها في تجاويف جمجمته تدفعه إلى تبني خيارات خاطئة, كما أنه حين يقع العقل تحت نير العاطفة يتشوش الإنسان ويفقد القدرة على التفكير المنطقي وينساق وراء التفكير العاطفي, ويغدو الطريق إلى جهنم مفروشاً بالعواطف والانفعالات.
وإذا كان الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت(1596-1650م), قد أكد في مستهل كتابه (مقال في المنهج) على " أن العقل أعدل الأشياء قسمةً بين الناس", لكن عقول الناس تختلف نتيجة التدريب والمران, وعليه كل خطأ يرتكبه الإنسان يستحيل أن يكون للعقل موطئ فيه, فاخطأ الإنسان نابعة من تشويش العاطفة والتفكير الانفعالي, كما عزاه ديفيد هيوم (1711ـ1776م) إلى سيطرة العاطفة على العقل أو يصير "العقل عبداً للعواطف" , ولكي يفكر الإنسان تفكيراً صحيحاً , فإن العقل بحاجة إلى مجموعة من المزايا والصفات والأدوات, لعل أهمها بٌعد النظر والصبر والحٌلم والدقة وأن يتسلح بالمنطق , والقدرة على تميّز المواقف وقراءتها, وعدم التسرع في الحكم, وهذه لا تأتي إلاّ بالتدريب والمران, والعقول الكسلى يستحيل ان تكتسب هذه المزايا. ولهذا السبب يختلف الناس بعضهم عن البعض الأخر بالنظر إلى هذه الشروط.
وكل مرحلة من مراحل تطور المجتمع البشري تقابلها عقلانيتها الخاصة, ومسيرة تطور التفكير العقلاني بقدر ما يحكي لنا مسيرة استقلال العقل وارتقاء بنيته, أي مسيرة ترشيد وتحسين العقل لأدواته, فإن المسيرة تحكي تغير في البنية الاجتماعية أيضاً.
ولما كان " تاريخ العلم هو تاريخ التصحيح المستمر لأخطائه" ( كارل بوبر), ولأن السياسة علم, فإنه يلزم أن تكون السياسة تاريخ تصحيح أخطاءها المستمرة أيضاً.
والعقلانية المدينية لا تستقيم إلاّ مع حاملها الاجتماعي, لأن هناك منطق تلازم بين نمط المجتمع ورافعته العقلانية والاجتماعية, وعليه يستحيل أن تكون القوى التقليدية رافعة للدولة المدينية حتى لو تم تربيع الدائرة.
سامي عـــطا
1- ـ كنت قرأت لأحد نشطاء الحراك في الفيس بوست يقول فيه: والدي رحمه الله كان مدني التوجه, فلم يتحدث عن القبيَلة والقبائل إلى أن التقيت بالصدفة طبيباً قال لي: افتخر بأصلك فأنتم قبائل قوية !! .. لست معتاد على التحدث بقبيَلة لكن هذه ايامها .. نحن في زمن القبائل والشرفاء منهم تحديداً .. شرفاء القبائل يغيّرون التاريخ
2- ـ أنتقد الدكتور أبوبكر السقاف في مساجلاته مع الاستاذ عبدالله الأشطل على صدر صفحات صوت العمال دعاة الوحدة الفورية , ودحض وهم الخصوصية اليمنية المستندة إلى التماثل والتشابه بين الشطرين , وهي لحظة هروب المثقفين من مفاهيم سياسية واجتماعية صاروا يستعرون منها مثل" الصراع الطبقي" , وهي نفس الذهنية أيضاً ذهنية الخصوصية الجنوبية التي لا تفهمها داخل سياق الجدل بينها وبين المشتركات , وإن أي ظاهرة أو حدث لا ينظر إليه ضمن جدل الخاص والعام , الائتلاف والاختلاف يغدو تفسيراً يعتسفها ( أنظر الدكتور أبوبكر السقاف مقال بعنوان بعض إشكالات الوحدة اليمنية النظرية والعملية الحلقة الثالثة 8/12/88م).