المراكز الصيفية الحوثية.. حرب أخرى تفتك بمستقبل الأجيال

المدنية أونلاين/موسى المقطري:

منذ انقلابها على الدولة ونهب ومصادرة مؤسساتها في العام 2014م ركزت مليشيا الحوثي الإرهابية على إعادة تشكيل المجال التربوي والتعليمي على مقاساتها الأيديولوجية المستوردة من إيران، ووفقاً لهذا المنحى حولوا المراكز الصيفية من برامج تربوية وترفيهية مفترضة إلى ساحات لتلقين الفكر الطائفي المقيت.

ومؤخرا وفي أخر خطاب له أعلن زعيم مليشيا الحوثي الإرهابية تدشين المراكز الصيفية في سلوك سنوي تتبناه الجماعة الانقلابية في مناطق سيطرتها، وهي خطوة يمكن وصفها كحرب أخرى تشنها الجماعة بحق أطفال اليمن، وذلك عبر زراعة الطائفية المقيتة في أذهانهم وتجريف الوعي الوطني، وتحويل الأطفال إلى مشاريع هدم وقنابل موقوتة في أوساط أسرهم ومجتمعاتهم.

هدم التعليم النظامي

في طريقها لزرع مشروعها الطائفي الدخيل على اليمنيين ولأنها تدرك أن العقل الحر الواعي لن يخضع لها ولأفكارها المشوهة، ولأن التعليم الخندق الأخير الذي يتحصن فيه الوعي الوطني اليمني ركزت مليشيا الحوثي الإرهابية على هدم مداميك التعليم النظامي سواء في المرحلة الالزامية المدرسية أو مرحلة التعليم الجامعي، وذلك عبر سياسات وخطوات أصابت النظام التعليمي في مقتل، وافرغته من محتواه الحقيقي ليتحول إلى مجرد وعاء لزراعة الفكر المليشاوي.

شملت سياسات مليشيا الحوثي الإرهابية الهدامة تغيير المناهج المدرسية، وخصوصا في مواد التربية الإسلامية والتاريخ واللغة العربية، وأدرجت مضامين تمجّد الجماعة، وتقدس رموزها ومشروعها الطائفي العنصري، وبالمقابل تم تجريد المناهج من كل ما يرتبط بالهوية الوطنية وبرموزها، كما تم إعادة تقديم التاريخ بما يخدم السلالة ويلغي الأبعاد الوطنية والقومية لليمنيين وحضارتهم الضاربة في عمق التاريخ.

منذ انقلابها المشؤوم مارست مليشيا الحوثي الإرهابية كل ما بوسعها لضرب النظام التعليمي عبر ايقاف رواتب المعلمين واستبدالهم بعناصر مليشاوية، وتحويل المدارس الى ثكنات عسكرية ومخازن للأسلحة، وفي السنوات الأخيرة اختصرت العام الدراسي، وكل هذا الممارسات هدفت لتحويل التعليم إلى أداة طائفية، وليغدو غير قادراً على بناء شخصيات المتعلمين وإعدادهم للخوض في مضمار الحياة العملية، ثم توجيههم الى المراكز الصيفية الحوثية لاستكمال تطييفهم وزرع روح الكراهية لديهم.

معامل لتفخيخ العقول

تقرير صادر عن وزارة حقوق الإنسان اليمنية في وقت سابق قال "إن مليشيا الحوثي الإرهابية افتتحت أكثر من 6,000 مركز صيفي في مناطق سيطرتها، واستقطبت هذه المراكز ما يزيد عن 620,000 طفل وطفلة معظمهم من طلاب التعليم الأساسي ، وتتراوح أعمارهم بين 10 و17 سنة"، وهذه الأرقام التي من المتوقع أن تتزايد هذا العام لا تُظهر حجم الخطر القائم حالياً فقط، بل تنذر بمستقبل مرعب تُسحق فيه البراءة تحت جنازير الفكر الطائفي المقيت.

في المراكز الصيفية الحوثية لا مكان للعلم أو الإبداع أو الترفيه البريء بالمطلق، بل يرتكز المحتوى الذي يتم تدريسه في الأساس على تزييف التاريخ وتقديس السلالة، وزرع فكرة أحقيتها بالحكم كتكليف إلهي! ، وتقديم المشروع الطائفي العنصري الخاص بالجماعة الحوثية تحت يافطة جذابة عنوانها "الهوية الإيمانية"، وحقيقتها إعادة استزراع الطائفية المقيتة، وتجريف الهوية الوطنية الجامعة والتي لا تعترف بالفوارق الاجتماعية التي يقوم عليها فكر الجماعة الانقلابية.

لا تدرّس في هذه المراكز أيٍّ من مواد الرياضيات أو العلوم أو اللغة العربية أو العلوم الحديثة ، ويتم الاقتصار على ما يخدم الفكر الطائفي الحوثي، ويلقن الأطفال خطب زعيم مليشيا الحوثي الإرهابية «عبدالملك الحوثي»، وتقرأ عليهم ملازم مؤسس الحركة «الهالك حسين الحوثي» والتي تحوي خطابا عنصرياً يرى في اليمنيين مجرد رعايا للسلالة، كما يتم زراعة كراهية الآخر واعتبار أبناء المناطق المحررة "مرتزقة" أو "خونة"!، وهو ما يؤسس لتفتيت النسيج الاجتماعي اليمني، ويزرع الصراع الطبقي، ويكرس الطائفية السياسية والعقائدية.

إلى محارق الموت

خلال المراكز الصيفية الحوثية، وبجانب الشحن الطائفي المركّز والذي تنتج عنه عمليات غسيل دماغ الطلبة يتم انتهاك حقهم كأطفال بتدريبهم على استخدام الأسلحة المختلفة، ثم تجنيدهم سواء بالترهيب أو الترغيب، وقد كشفت تقارير أممية أن مليشيا الحوثي الإرهابية جنّدت أكثر من 10,000 طفل منذ بدء الحرب التي ادخلوا البلد فيها.

وبحسب تقرير فريق الخبراء الأمميين المعنيين باليمن عام 2021 فقد "أكدت الأدلة أن الأطفال يتم "تهيئتهم" داخل المراكز الصيفية، ثم يُدفع بهم إلى جبهات القتال حيث يلاقون حتفهم في معارك لا يفهمون لها معنى سوى ما زرعته فيهم خطب الكراهية من أوهام "الجهاد" ضد إخوتهم اليمنيين.

كما أكد تقرير الأمم المتحدة الصادر في نوفمبر 2024 "زيادة في تجنيد الأطفال بعمر 10–11 سنة رغم معارضة أهاليهم"، وأكد التقرير "أنه يتم استغلال الأمية والمراكز الصيفية والمدارس لهذا الغرض" كما افادت تقارير إعلامية أن حوالي 1,500 طفل قُتلوا أثناء القتال ضمن صفوف الحوثيين عام 2020 فقط.

نحن أمام حقيقة مرّة لا تكفُّ فيها مليشيا الحوثي الإرهابية عن العبث بمقدرات الحاضر ومستقبل الأجيال، ولم تكتفِ بالجراح التي صنعهتا في أرجاء اليمن قتلاً وحصاراً وتشريداً، بل ذهبت لتمارس حرباً من نوع أخر عبر تفخيخ عقول الناشئة في مسعى لغرس هويتها الطائفية المستوردة، وتجريف الهوية اليمنية الجامعة، وصناعة جيل لا يرى في اليمن وطناً للجميع، بل ملكية خاصة بيد السلالة.

هذا الشحن ليس مجرد مأساة تعليمية، بل حرب ومشروع إبادة ثقافية بحق شعب ووطن استفاد فيه الانقلابيون من حالة التراخي الدولي واتباع سياسة المراضاة وتقديم القرابين، فيما تزداد الضريبة التي ندفعها كيمنيين في كل يوم يمر من عمر هذا الانقلاب، ولا خيار لإيقاف هذا العبث إلا باستكمال اسقاط الانقلاب ، واستعادة الدولة اليمنية ببعدها الوطني الجامع.