القهر والحزن في مطار عدن

توجه ابن مديرية حبيش في محافظة اب  الدكتور  محمد  عبد الملك ال  قاسم   صوب مدينة عدن  ومعه  امه التي   تعاني من فشل  كلوي  ومعه كذلك  زوجته  ووالده  الذي يقترب  عمره من الثمانين   وشقيقه الاصغر .  الهدف هو الذهاب  الى الهند  لاجراء  عملية  لوالدته بعد ان قرر  التبرع لها  بإحدى كليتيه . 
باع من ارضه  واستدان المال الكثير    من اجل هذا  الهدف النبيل . كان كل شيء يمشي  كما يرام   فبعد  يوم  واحد  على وصولهم  عدن   توجه الدكتور  محمد  ومعه باقي الاسرة  زوجته من اجل خدمة  امه . ووالده لاجرى عملية له هناك   وشقيقه الاصغر   ليكون بجانبهم  خاصة والدكتور  محمد  سيتبرع لامه بكليته  ويلزمه الرقود .. توجه الجميع  من الفندق نحو  مطار  عدن   الساعة الرابعة  قبل فجر  الاحد  24 فبراير   فرحلتهم الى الهند  ستكون  الساعة السابعة  صباحاً .  
وصلوا المطار  وبداو  بإجراءات  السفر،    وعندما  حان وقت صلاة الفجر  صلوا هناك وصلت الام  وهي فوق الكرسي المتحرك .. وعندما كانوا في الطابور استعدادا  لدخول  صالة المغادرة ومن ثم  الصعود الى الطائرة   تقدم  من الدكتور  احد الشباب ،   طالباً منه تسليمه الجوازات  من اجل  مساعدتهم  .
 سلمها الدكتور  وهو يشكره  معتقداً  انه قد رق قلبه عندما شاهد امه على الكرسي المتحرك في الطابور  ..  غير انه وبعد قليل تم استدعائه مع ابيه  الى احد المكاتب  وهناك وجهوا  له تهمة انه قيادي  حوثي  كبير   فانكر ذلك وقال لهم انا لا انتمي لاي جماعة  وهذا عنوان عملي   . فقالوا له بل انت فلان  وهذه  صورتك  وقاموا بعرض احدى الصور عليه . قال لهم   هذا ليس اسمي ا نا اسمي  هذا الموجود في الجواز  وهذه  شهادة ميلادي  من حين خلقت  ، وهذه ليست صورتي  هذه صورة اخي  وهو ليس كما ذكرتم  حتى وان كان  فما ذنبي  . فانا متاكد ان هناك وشاية بنا  والحمد لله قد تاكدتم  من اوراقي  . 
وفي هذه اللحظة  كان الركاب قد بدأوا بالصعود الى الطائرة، فقال لهم ارجوكم  لا تفوت علينا الطائرة  فلم نجد الحجز  الا بصعوبة  وامي مضرورة  .  وهنا  تقدم منهم الاب  وقال  الله يصلحكم يا عيالي  خلونا نروح لنا . فرد عليه احدهم  انت يا حاج  معك صورة  في مهرجان  حضره  المحافظ عبد الواحد صلاح مهرجان للحوثي  .  فقال لهم  ايش من مهرجان  وايش  من صورة   قلدكم الله وانا في هذا السن  عادنا حق مهرجانات  الله يهديكم . وحتى لو معي صورة   كل الناس يتصوروا  خافوا الله وارحموا شيبتي  وحالة  زوجتي .. 
كانت الام  وباحساس الامومة الفطري   على ثقة  ان هناك  مكروه  قد حدث لابنها  وابوه   وخاصة بعد ان اقلعت الطائرة .فاخذت تنادي باسمه وهي على الكرسي  المتحرك  دون ان يسمعها احد  فقام رجال الامن  حسب التوجيهات  بارجاعها مع ابنها  وزوجة ابنها  الدكتور  الى فندق  خاص  ووضعوهم تحت الملاحظة  . اما الدكتور وابوه فقد تم نقلهم الى البحث الجنائي  ومكثوا هناك يومين  فراجع عليهم بعض معاريفهم    فامر مدير البحث باطلاقهم  بضمانة .  خرج الدكتور  محمد مسرعا  ليجد امه في حالة سيئة نفسيا وجسديا  فتم اجراء   غسيل كلوي لها . وبدا يبحث عن رحلة ثانية الى الهند  ، لكن القدر كان يدخر لهم  شيئا آخر  فبعد يومين  من اطلاق سراحهم  وصل الى الفندق  بعض افراد الامن  وقالوا   ان رئيس جهاز الامن السياسي  عبده الحذيفي المتواجد في الرياض  قد احتج على اطلاقهم ووجه باعادتهم الى السجن . 
وبعد اربعة ايام من مكوثهم في السجن  اصيب الاب بإنهيار عصبي  من القهر فاثر على القولون  وهنا اضطروا  الى اطلاقه . اما الابن فبقي في السجن لمدة  عشرين يوم  وبعد هذه المدة   قالوا له ان  الحذيفي  قد وجه باطلاق سراحه  بعد مراجعته من قبل  بعض اقارب الدكتور هناك .. خرج من السجن مسرعاً في اتجاه المستشفى الجمهوري  حيث كان قد تم نقل امه الى هناك بعد ان رفضت الغسيل  حزنا على ابنها ودخلت  في غيبوبة .   وصل الابن الى المستشفى  ليحضن امه  ويناديها  بصوت عالي  ففتحت عيناها  فراته امامها وحضنته  وهي تقول انت بخير  يا ابني ؟ فيرد عليها  بالايجاب   قائلا لا تقلقي يا امي  سنسافر  وسنزرع لك الكلى   ونعود باذن الله  .  ولكن  كان القدر  قد نزل   فماهي الا ساعات  حتى  فاضت روحها الى باريها   فانكب ابنها فوق صدرها يبكي على فراقها  ويبكي على مدينة تولى امرها اناس لا يعرفون القانون ولا النظام  ولا تعرف الرحمة  او الشفقة والمروءة طريقاً الى قلوبهم .. فعاد الجميع  مع الجثة ليتم دفنها في بلادهم  ودفنوا معها احلامهم  في وطن يتحكم به  اجلاف  هنا وهناك .. هذه الحكاية الحزينة   ليست  ماخوذة  من فلم هندي ياسادة،  لا والله  بل   حكاية  واقعية  وحصلت بالفعل  وعرف بها الكثير  .. السؤال الان  اين  وزير الداخلية مما حدث ويحدث  فهناك العشرات  من الحالات  الماساوية التي تحدث في مطار عدن  لمجرد وشاية كاذبة  او توصية من صديق لصديقه في المطار بعرقلة فلان او علان  واحتجازه  لمجرد ان بينهما خلاف عابر . وهذا طبعا في حق المساكين فقط  اما ( الكبار) فالدروب لهم سالكة .. وماهو راي اللواء الحذيفي  هل فعلا  وجه بذلك  ولماذا ؟ وان كان صحيحا لماذا هذا التوجيه بالذات تم  تنفيذه  في عدن  مع العلم انه شخصيا  لا يستطيع العودة والاقامة هناك ؟ 

والى الله المشتكى.

مقالات الكاتب