سقطرى... جبهة جديدة في حرب اليمن!

كشفت أحداث جزيرة سقطرى الأخيرة عن أعلى درجات مستوى الصراع بين الشرعية اليمنية ودولة الإمارات، وبات الأمر جلياً وواضحاً أن صراع الطرفان الذي بات يشكل كابوساً للمواطن بدرجة رئيسية في المناطق المحررة وللوطن ككل، هو أس كل حالات الانفلات الأمني والتدهور المعيشي والخدماتي في عدن، وغيرها من مناطق الجنوب المحررة، وهو الأمر الذي أشرنا إليه في أكثر من مقال.

كشفت الإمارات من خلال تحركاتها الأخيرة في جزيرة سقطرى، عن وجهها الحقيقي والقبيح والمعلن لأطماعها في الجنوب، الذي اتخذته خندقاً تقاتل الشرعية منه، وتساوم قيادتها على التنازل عن السيادة على أرضها طوال الفترة الماضية، وتضغط عليها بشتى الوسائل على منحها حق السيادة على مناطق وممرات ومنشآت حيوية وتمس السيادة الوطنية.

ومع سخونة وتوالي الأحداث بين الأطراف، برزت إلى السطح، ظواهر لا بد من قراءتها بتمعن، وسيجد المتابع أن هناك علاقة مباشرة تربط كل ما يحدث من تفاصيل ببعضها البعض، حيث تظهر الصورة في النهاية، مشروع الإمارات الحقيقي في اليمن عامة، من خلال الثقب الأسود (الجنوب)، الذي أجادت تطويع بعض الأدوات فيه لخدمة طموحها التوسعي!

من تلك الظواهر، التصريحات من قبل رجال في الدولة في الإمارات ومراكز الدراسات السياسية الإماراتية، التي تبرر ما يحصل، بأنه حق إماراتي مشروع، ومن تلك الظواهر أيضاً، أطروحات بعض مثقفيها وشخصياتها ومنابرها الإعلامية، التي تلمح حينا وتجاهر أحياناً، بأن سقطرى إماراتية، وأنها الثمن الذي يجب أن تحصل عليه الإمارات مقابل جهدها في التحالف!

وكارثة الكوارث، تتجسد في ظاهرة استنفار أدوات الإمارات الجنوبية وموظفيها من (أهل الجنوب) وتأبطهم لشر مهمة الترويج للحق الإماراتي في الجزيرة الجنوبية، وتبريراتهم القائمة على أطروحات أقل ما توصف به أنها انبطاحية (تعاني من جفاف الوطنية) في أغلبها، وبلهاء في ما تبقى منها، فهناك من انبرى ليبرر بأن الاحتلال الإماراتي خير من الاحتلال اليمني، على حد قولهم، وهناك من يبرره على أساس أنه يكفي أن يتألم لنتيجة هذه الخطوات، الإصلاح والشرعية، وكأن الوطنية حصرت في الشرعية والإصلاح، وانتزعت من بقية أبناء الشعب، وهناك من يبرر تبريرات بلهاء، فهو يتساءل مبرراً لماذا القوات الإماراتية التي في تعز ومأرب والساحل الغربي والحديدة وغيرها تسمى قوات تحالف، بينما التي تتواجد في الجنوب وجزيرة سقطرى بالذات تسمى قوات احتلال؟ ويتناسى هذا الأجير في خضم بلاهته، أن الحرب والخصم الذي جاءت لمواجهته دول التحالف، لا يتواجد في سقطرى، ولا عدن، ولكنه يتواجد في صنعاء والحديدة وتعز وغيرها، وبالتالي، فوجود القوات الإمارتية هناك مبرراً، أما في سقطرى، فإنه غير مبرر مطلقاً إذا كانت ما زالت تعرف حدود مهمتها، وما زالت تؤمن أنها موجودة في إطار دعوة الشرعية اليمنية لها!

والظاهرة الأكثر ضجيجاً، هي الإعلان عن افتتاح عدد من الشقق المفروشة، كمكاتب تمثيل لأداة الإمارات الانتقالية في الجنوب (مسمار الإمارات)، والتي تفيد المعلومات، أنها جاءت على خلفية ضوء أخضر منحته دولة الإمارات لهذه الأداة، في مقابل دعم تلك الأداة وصمتها تجاه خطوات الإمارات في جزيرة سقطرى، الهادفة إلى بترها عن الجسد (الجنوبي) اليمني المعروف حتى الآن بالجمهورية اليمنية.

لا شك أن خطوة الإمارات الأخيرة في سقطرى، قد اماطت اللثام عن حقيقة نواياها ومطامعها، وبالتالي، فالأمر لم يعد بحاجة إلى التخمين والاستنتاج، بل أصبح كتاباً مفتوحاً لمن يحيد القراءة، والإجراءات لإيقاف أحلام اليقظة هذه لم تعد تقتصر على إصدار البيانات وتبادل الرسائل، ولكن المطلوب موقفاً وطنياً من قبل الشرعية، ممثلة بالرئيس هادي، فهو ولي أمر البلاد في هذه المرحلة، ولن يرحمه التاريخ إذا ما تلكأ في اتخاذ إجراءات واضحة تذكر الإمارات بمهمتها وتخيرها ما بين البقاء والالتزام بحدود تلك المهمة، أو مغادرة أراضي الجنوب!

فيما يخص قضية الجنوب، وأهداف ثورته، فلا علاقة لها بهذا الصراع. مهما حاول البعض استخدامها، ولن يؤول إلى رصيدها أي انتصارات سياسية أو عسكرية، بل على العكس، فما يحدث يعرقل خطوات سير القضية، لأنه يجرنا إلى صراعات جديدة تطغى على قضيتنا، وتدخلنا في دوامة صراع نتحول فيه إلى جنود في كتائب الإمارات لمقاتلة خصومها، وليس لمقاتلة خصومنا وخصوم قضيتنا، ولا يعني بأي حال من الأحوال، خطاب البعض المستفيد مادياً والحالم بكرسي الحكم في الجنوب، أنه تعبير عن موقف الشعب الجنوبي تجاه خروج الإمارات عن حدود مهمتها، بل هو خطاب يعبر عن ذلك البعض، ولا يعبر عن الشعب الجنوبي، الذي يقدر ويجل مواقف وتضحيات أشقائه، ولكنه لن يسمح بالاستغلال السيء للظروف التي يمر بها وطنه في هذه المرحلة!

مقالات الكاتب