قطع الشطرنج بين رقعة المعلا ورقعة السبعين

في بلد غدا ساحة للمشاريع الهزيلة كهزالة أربابها الذين لم يحسنوا في حياتهم شيئا ؛  سوى الكذب والانسلاخ من جلد إلى أخر ، عام معك ، وعام عليك ، وثالث معك عليك يفصل في ذلك المصلحة ، ويحدد ذلك الطلب .

 

خمسون عاما خلت ؛ ذهبت أيامها بسفر خال لم تدون الأيام على صفحاته منجزا ، ولم تخط السنون شيئا نافعا يذكر إلا من محاولات يائسة للبحث عن لقمة تدفع بها  شبح الموت عن نفسها ، أو البحث بين أكوام الهزيمة عن كرامة .

 

خمسون عام أدبرت وغدت جزءا من التاريخ ، تاريخ لايملك من التاريخ سوى الاسم فقط ، مضت سنونه لاتلوى على شيئ سوى جراح تحمل في شقوقها الغائرة  مأساة إنسان اختطفته يد الموت وهو على قارعة الطريق منتظرا للحياة .

 

للكذب في هذا البلد قصة ، وللبؤس حكاية ، قرينان اجتمعا ، واتفقا ؛ ولم يختلفا إلى اليوم في  شراكة إن لم تكن سرمدية فلاشك  سيطول عمرها ، ليس تخرصا ، ولا رجما بالغيب ، ولكن ما أجزم به يقينا إن الله كتبا لها عمرا لم يكتبه لغيرها من الأفات والرزايا حتى  الأن  .

 

استوطن البؤس الأرض ، والتهم الكذب الإنسان ، وارتضى كل واحد منهما بما معه ، قسمة تبدو عادلة في ظاهرها ، أما باطنها قسمة لصين أخذا مالا ؛ وهربا بعيدا عن أعين الناس ، ثم جلسا وسط الظلام يتقاسما على خوف وعجل .

 

احكم البؤس قبضته على الأرض ، فانتجت حقولها الجوع ، والتهمت أشجار الفقر أخصب أراضيها ، في مشهد يشبه إلى حد كبير ما بذرته يدا عفاش في دلتا أبين ، ودلتا تبن ؛ لبذرة شجرة السيسبان بحجة مكافحة التصحر وهي في الحقيقة مكافحة التخضر ، فتحولت البلدة التي عرفت في التاريخ بالخضراء إلى صحراء لاتنبت عشبا ولا كلا.

 

احكم الكذب قبضته على الإنسان ؛ وسلبته مشاريع الدعاية أرادته ولبه ، فتحول الناس كقطعان هائجه ، وسوام منفلته من عقالها ، بعد إن حولت  عصبة الأفاكون والدجلة الشعب إلى قطع شطرنج  ، تنقلها متى شاءت ، وتتركها في مكانها متى شاءت ، بحسب ماتقضيه مصلحة المهرجين والحواة  ، وماجموع السبعين ، والمعلا عنك ببعيد .

 

سيشتاطون غضبا ؛ حتى تنتفخ أوداجهم أنصار السيد والمخلوع لذكري شارع  السبعين، بوصفي أما  داعشيا ، أو خائنا عميلا للعدوان ، وسيشتاط غضبا أنصار المجلس حتى تحمر أنفوفهم لذكري شارع المعلا بوصفي أما اصلاحيا ، أو جنوبيا بلسنيا  .

 

أنصار السبعين يحركون قطعهم الشطرنجية من ميدان  إلى أخر ،  ينادون على من لم يلحق بركبهم  اركب معنا ، في سفينة الوحدة أو الموت ، فلا مجير لك من بأسنا إلا اللحاق بركبنا ، ممتشقا سيفك الخشبي ، تقاتل طواحين الهواء ، مرددا الولاء لأمريكا والموز لإسرائيل  .

وأنصار المعلا ينقلون قطعهم الشطرنجية من ساحة إلى أخرى ، وينادون على من لم يلحق بركبهم اركب معنا ، في سفينة الانفصال أو الموت فلا عاصم اليوم من بطشنا إلا من كان كان معنا .

 

لم يحشد الحزب الديمقراطي والجمهوري في الولايات المتحدة ماحشدة عفاش والحوثي في ساحة السبعين ، ولم يحشد حزب المحافطين ولا حزب العمال في  البريطاني ماحشده عيدروس الزبيدي في شارع المعلا ، مع فارق بسيط وهو إن جموع  الديمقراطيين والجمهوريين والعمال والمحافظين ومعهم حزب الليكود الإسرائيلي حين تجتمع  تعلم الغرض من اجتماعها ، وتعلم مردود هتافها ، وحلوقهم إن بحت  فتهتف لمشروع اقتصادي سيرون أثره في نفوسهم  قبل غيرهم ، في حين تزاحمت حشود السبعين تهتف بحياة السيد ، أو الزعيم ، وتتوعد الشعب بالموت ، وتسوق الوهم لنفسها قبل غيرها ، لأنها تعلم إن فناء أمريكا لن ينطلق من صعدة ، ولازوال إسرائيل سينطلق من صنعاء .

 

وكذلك فعلت قطع المعلا حين بحت حلوقهم مرددين شعار  استعادة الدولة ؛ وهم يعلمون في قرارت أنفسهم إن شعار استعادة الدولة لن يتجاوز صداه مكان الاحتفال ، وإن الهدف استعادة المنصب في دولة الاحتلال .

 

انسى صخب شوارع صنعاء وعدن المتظاهرين  ، ماسرق منهم الحواة في مسرحية الخمسين فصلا ، التي كان أخر مشاهدها مشهد حبتور بجانب الرئيس هادي ، وبن دغر بجانب عفاش ، يتجاذبان طرفي حبل السلطة ، وكل طرف يتوعد الأخر بالرحيل من اليمن ، أو الرحيل من السلطة ، ولم يتوعد أحدهما الأخر بالموت أبدا ، وبينما  كانت القطع الشطرنجية  تنتظر خروج المغلوب من الوطن أو من السلطة ، لم يخرج أحد منهما لا من الوطن ولا من السلطة ، لتنتهي النقلة قبل الأخيرة بتبادل بين رأس الوزارة في عدن برأس الوزارة في صنعاء ، بعد إن تخلى صالح عن رض وقناعة عن بن دغر مقابل الحبتور ، وهو المشهد الذي لم تتمكن القطع الشطرنجية من استكماله بسبب انشغالهم بالإسهالات المائية ، واسهال استعادة الدولة .

مقالات الكاتب