طاهر شمسان يكتب..افكار على هامش وثيقة الحلول والضمانات

طاهر شمسان

لو أن المنتصر في حرب 1994 حقق لليمنيين حلمهم في بناء دولة المواطنة التي يتطلعون إليها لما كانت هناك قضية جنوبية.. لكن المنتصر ذهب يمارس في الجنوب جرائم وانتهاكات ممنهجة على كل الأصعدة لم تكن تخطر على بال أحد لا في الشمال ولا في الجنوب...وكرد فعل على ذلك نشأ في الجنوب حراك اجتماعي ذو طابع حقوقي خالص يخاطب الضمير الوطني والأخلاقي للمنتصر.. ولأن المنتصر كان عديم الضمير الوطني ولأنه بلا أخلاق ذهب يقمع ذلك الحراك ماديا بواسطة الجيش والأمن ومعنويا بآلة إعلامية متضخمة ظلت لسنوات تضخ خطابا طافحا بالتكفير والتخوين والتحقير والإزدراء...الخ...وإزاء ذلك إستنتج الجنوبيون أربعة أشياء تشكل في مجملها جوهر القضية الجنوبية: 1 – إن المنتصر يستخدم الوحدة وشعاراتها لابتزاز الجنوب وإخضاعه وإذلاله وتحويل معظم سكانه إلى فقراء ومهمشين. 2 – إنهم يدفعون ثمن نضالهم من أجل الوحدة وتعلقهم بها وذهابهم إليها. 3 – إنهم كأقلية سكانية لا يستطيعون أن يؤثروا ويغيروا في المشهد السياسي بواسطة ديمقراطية شكلية ومقيدة تحسم نتائجها أغلبية سكانية مغيبة ومتأثرة بشعارات الحرب وتتنازعها أيديولوجيات وعصبيات ومراكز قوى ونفوذ. 4 – إن صراعهم مع المنتصر ليس صراعا من أجل المكانة وإنما صراع وجود معناه ومبناه أن يعيش الجنوبيون بكرامة أو لا يعيشونإزاء ذلك كله بحث الجنوبيون عن أقرب وأفتك سلاح لإنقاذ أنفسهم..إلتفتوا شمالا فوجدوا رأيا عاما تتنازعه اتجاهات أحسنها وأفضلها وألطفها الاتجاه القائل " كلنا في الهم شرق..كلنا مظلومون..إصبروا وصابروا مثلما نحن صابرون ومصابرون ". إلتفتوا جنوبا فوجدوا الجغرافيا السياسية وتاريخها الخاص وما يتعلق بها من رمزيات كعلم الدولة التي كانت..وفي هذه اللحظة رفع الجنوبيون علم دولتهم التي كانت ووقفوا على الأرض بثبات منقطع النظير قائلين: نحن جنوب عربي واقع تحت الاحتلال اليمني نطالب بالاستقلال التام والناجز....الخ...قالوا هذا ليس لأنهم إنفصاليون كما يروج لذلك المنتصر وحلفاؤه وإنما لأن المنتصر أغلق أمامهم كل الأبواب الممكنة للدفاع والنضال في إطار الوحدة..لقد حول المنتصر الوحدة إلى مشكلة في الجنوب وللجنوبولو أن الجنوبيين إستسلموا للأمر الواقع ورفعوا الراية البيضاء لتحولوا إلى مهمشين أذلاء..لو أن الجنوبيين استسلموا لتعفرت المنتصر أكثر وأكثر في كل محافظات الشمال ولحول عشرين مليون شمالي إلى رعايا مغلوبين على أمرهم في ظل الدولة الصالحية.. لكن الجنوب لم يستسلم.. وهنا بالتحديد يكمن البعد الوطني العام والإنساني الشامل للحراك الجنوبي بغض النظر عن الطريقة التي يقدم بها نفسه...وبفضل هذا الحراك تراكمت عوامل الثورة الشبابية الشعبية في الشمال وبفضله وصل اليمنيون إلى مؤتمر موفنبيك.. وبفضله طرحت مسألة الدولة بقوة على بساط البحث ولأول مرة تطرح بهذا العمق وبهذا الشمولأكتب هذا لكل الناعقين الذين فتحوا أشداقهم في وجه وثيقة " الحلول والضمانات "..وأقول لكل من صدَّقهم: إقرأوا كل الأوراق التي قدمت إلى فريق القضية الجنوبية من كل المكونات: في الجذور وفي المحتوى وفي الحلول والضمانات.. إقرأوها لتكتشفوا بؤس القوى السياسية في هذا البلد...مكون واحد فقط هو الذي لامس جوهر المشكلة واقترح حلا نصه: " دولة فدرالية يكون فيها الجنوب إقليما واحدا موحدا بشكل جديد"...وهذا هو مقترح الحزب الاشتراكي..لم يقل دولة فدرالية من إقليمين..ولم يتحدث عن استفتاء بعد خمس سنوات..كما لم يتحدث عن تداخل جغرافي بين الشمال والجنوب..وفيما يلي شرحا مقتضبا لمفردات هذا المقترح: 1 – الدولة الفدرالية متعددة الأقاليم..لكن الجنوب كله إقليم واحد...وهذا المفردة معززة بحيثيات قائمة على قراءة دقيقة لتاريخ الجنوب ولجغرافيته السياسية وليس خبط عشواء. 2 – إقليم واحد موحد بشكل جديد..يعني أنه سيتكون من ولايات تدير شئونها بنفسها..وهذا سيسري على أقاليم الشمال أيضا. 3 – لم يتحدث عن التداخل الجغرافي..لماذا؟..لعدة أسبابأ – لأن أي حديث عن التداخل الجغرافي يفترض ضمنا أن الأزمة المراد حلها هي أزمة الوحدة وليس أزمة الدولة..وهذا غير صحيح..فأصل الأزمة هو الدولة..وأي حديث عن أزمة الوحدة هو هروب من الأصل إلى الفرع..وحرب 94 كانت هروبا من مواجهة أزمة الدولة وقد جرى خوضها تحت شعارات الوحدة..وأي تصوير للأزمة اليوم على أنها أزمة وحدة هو اجترار لشعارات الحرب كما لو كانت حربا مشروعة..والحزب الاشتراكي يعلم جيدا أنها كانت حرب عصابات وأنها المسئولة عن المآلات المأساوية التي صارت إليها البلادب – أي تداخل جغرافي قبل حل أزمة الدولة سيكون مرفوضا قطعا من قوى الحراك الجنوبي..لأن التداخل فيه تعد على الجغرافيا السياسية للجنوب التي لولاها وبدونها ما كان بمقدور الحراك أن يوجد وأن ينتزع الاعتراف بعدالة قضيته..فالجغرافيا السياسية للجنوب هي الضمان الوحيد لفرض واقع الدولة على القوى التي ترفضها في الشمال..وعلى هذه القوى إما أن تقبل ببناء دولة المواطنة أو تقول صراحة أنها ترفضها ولا تريدها..أما أن تتذرع بالخوف على الوحدة للهروب من بناء الدولة فهذه ورقة صارت مكشوفة في الجنوب على الأقلج – أي تداخل جغرافي يفترض ضمنا أن الوحدة مهددة وأن الجنوب هو مصدر التهديد..وهذا حكم متسرع تكذبه عشرات الحقائق التي لا يتسع المقام هنا لشرحها..فمصدر التهديد يكمن في الشمال وتمثله كل القوى التي ترفض فكرة دولة المواطنة. 4 – إن مقترح الستة أقاليم جاء من مكون المؤتمر الشعبي العام..وجاء بلا حيثيات وبلا مبررات مكتوبة وواضحة وإنما خبط عشواء من قبيل الرغبة في التعطيل ليس إلا. 5 – إن وثيقة الحلول والضمانات التي يحب البعض أن يسميها " وثيقة بن عمر " لم تتحدث بشكل قاطع عن إقليمين أو ستة أقاليم وإنما تركت هذا الأمر للجنة مصغرة يشكلها الرئيس هادي برئاسته..وعلى هذا اللجنة أن تحسم الأمر لصالح الإقليمين أو الستة أو ما بينهما..وهذا ما أثار مخاوف الحزب الاشتراكي الذي يرفض تماما مقترح المؤتمر الشعبي العام لكنه سيقبل به إذا ما طرح الأمر للنقاش والمفاضلة داخل مؤتمر الحوار..فالإشتراكي يعتقد أن مقترح المؤتمر ليس مقترحا ولا هو مؤسس على حيثيات مقنعة وسوف يسقط في حال خضع لنقاش مسئول وشفاف في الجلسة العامة لمؤتمر الحوار الوطني. 6 – إن أي حديث عن وثيقة لحلول والضمانات يجب أن يأخذ بعين الاعتبار ما يليأ – إن الجنوب ليس جزءا من الشمال وإنما جزء من اليمن وإنه لا يقبل ولن يقبل التعامل معه كفرع لأصل وإنما ند لند..فالجنوب ليس ريمة ولا المحويت ولا تهامة ولا تعزب – إن الجنوب جغرافيا سياسية كانت حتى عام 1990 دولة عضو في المجتمع الدولي وإن هذه الدولة دخلت في عقد وحدة مع دولة الشمال وإن هذا العقد سقط وأصبح باطلا بعد حرب 1994..والحديث اليوم يدور حول عقد جديد وليس حول العقد القديم..والعقد الجديد لا يمكن فرضه على الجنوب فرضا تحت شعار الوحدةج – إن الوحدة التي يدور حولها الحديث هي الوحدة اليمنية بصيغتها المعاصرة..وهذه الوحدة صناعة جنوبية بنسبة 80 % على الأقل والجنوب هو الذي أوصل اليمنيين إلى 22 مايو 1990..أما الوحدة اليمنية التي عرفت في التاريخ فهي تسري أيضا على جيزان وعسير ونجران..ومن العيب أن نؤمن ببعض الوحدة وأن نكفر ببعضها الآخر.