تورّط في تهريبها الحوثيون.. الآثار اليمنية في مهبّ الريح
وفّرت الحرب في اليمن بيئة خصبة لمهربي وتجار القطع الأثرية، وخلقت لهم مناخًا ملائمًا، فكما طالَ عبثُ الحرب كلَّ شيء، وصلَ عبثُها كذلك إلى المساس بالحضارة اليمنية.
وسنحت الفرصة أمام عصابات التهريب بتجريف الهوية التاريخية، وإفقاد البلاد مخزونه الثقافي والأثري، لتحقيق مكاسب ضيّقة، وربح أموال باهظة بطريقة سريعة، من خلال شبكات نجحت بشكل ممنهج في تهريب عشرات آلاف المقتنيات الأثرية والقطع التاريخية.
وعلى مدار الحقب الزمنية المُتعاقبة استطاع اليمنيون المحافظة على آثار بلادهم منذ العصور السحيقة، إلى أن جاءت، حُقبة ميليشيا الحوثي الانقلابية، التي أفرزت واقعًا مغايرًا، لا يتسق مع الحضارة اليمنية وتاريخ اليمنيين، وبعد أن كانت عمليات تهريب الآثار محدودة في العقود السابقة، صارت في أيامهم واسعة ومنظمة.
عمليات التهريب
تتكون شبكات التهريب من عصابات مترابطة ضمن سلسلة متصلة ومتواصلة ببعضها البعض، تضم يمنيين وجنسيات من دول أخرى متعددة، وتدور عمليات تهريب الآثار اليمنية، وسط حلقة دائرية مغلقة.
ويقول مندوب اليمن الدائم لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو"، محمد جُميح: "المسؤول عن تهريب الآثار اليمنية عصابات التهريب، هناك لصوص آثار في اليمن مرتبطون مع تجار آثار، وتجار الآثار مرتبطون مع عصابات تهريب، يهربون هذه القطع الأثرية إلى خارج البلاد لبيعها، وهذه العمليات تتم في الداخل والخارج بين لصوص وعصابات نبش للمواقع الأثرية، يعني من عصابات تهريب إلى تجار ثمَّ مقتني ومحبي اقتناء الآثار في الخارج".
وعن علاقة ميليشيا الحوثي، بعمليات التهريب، يكشف جُميح، في حديثه مع "إرم نيوز"، أن "هناك تجار آثار هم قيادات في الحوثيين، يتعاملون مع مهربي آثار. هؤلاء المهربون يستطيعون الوصول إلى أي مكان على الحدود اليمنية، وبالتالي تهريب هذه القطع"، مشيرًا إلى أن "هناك تواصلًا بين مهربي الآثار في كل جهات البلاد.
وأضاف جُميح: "الحوثيون معروف أنهم هرَّبوا أو سمحوا بخروج وتهريب نسخة من التوراة اليهودية، التي خرجت مع أسرة يهودية، عبر مطار صنعاء".
من جانبه، يرى الباحث المستقل والمهتم بتتبع ورصد الآثار اليمنية عبد الله محسن، أن الحديث عن المسؤول عن الحفاظ على الآثار ومنع تهريبها، أجدى من الحديث عن المسؤول عن تهريبها، حيث قال: "أستطيع تحديد المسؤول عن الحفاظ على الآثار، ومنع تهريبها وهو الحكومة اليمنية وأجهزتها المختلفة، أما المسؤولون عن التهريب فمن الصعب تحديد كل الفاعلين في هذا المجال، من هواة وباحثين عن الثراء السريع غير المشروع والعصابات المنظمة والنافذين المحليين وتجار حروب وسماسرة إقليميين ودوليين ومالكي المجموعات الخاصة وغيرهم".
ولا يجد محسن، خلال حديثه مع "إرم نيوز"، حرجًا، من التعبير عن خشيته من عواقب الكشف عن بعض الأسماء التي تقف خلف عمليات التهريب، الذي قد يودي به إلى فقدانه حياته، إذ لفت إلى أن: "التصريح بأسماء البعض، قد يعرّضه للمساءلة القانونية، أو الاعتداء الجسدي، وربما القتل، في وضع تعيش فيه اليمن أدنى مستويات سيادة القانون".
عروش ملكية أثرية
وأوضح المسؤول اليمني محمد جُميح، أن "هناك عروشًا ملكية خرجت من محافظة الجوف، وتم تهريبها منذ سنوات ولم نكن نعلم عنها شيئًا، حتى اتضح أنها وصلت إلى سويسرا، وقد تواصلنا مع اليونسكو والسويسريين، وأفادونا بوجود اثنين من هذه العروش، وهم معترفون بأنها يمنية، لكن طلبوا منا مزيدًا من الوقت للتحقق من باقي المقتنيات التي صادرتها الشرطة، ويبدو أن ما ضبطوه آثار يمنية وغير يمنية، لكن الشيء الجيد أن العروش معترف بأنها يمنية، والمسألة مسألة وقت للحصول عليها، وهي متحفظ عليها لدى الشرطة السويسرية".
وحول ضمان عودة العروش لليمن، يؤكد أن "العروش يمنية ومن حقنا أن نأخذها، والسويسريون لن يعارضوا ذلك، هم فقط طلبوا مزيدًا من الوقت من أجل إجراء المزيد من التحريات حول المضبوطات".
بدوره، يقول الباحث وراصد الآثار عبد الله محسن: "في أكتوبر 2021، نشرتُ عن عروش اليمن المهربة من الجوف، وذكرت أن أحد النافذين قام بتهريبها عام 2010 إلى سويسرا، بتواطؤ من بعض الشخصيات الحكومية آنذاك، خصوصًا أن وزن كل عرش طن، وارتفاعه 1.24 متر، وعرضه 63 سم، وعمقه نصف متر؛ ما يصعب إخفاؤه".
ويتابع محسن: "وفي ديسمبر 2023، نشرت عن مصادرة القضاء السويسري للعرشين الأثريين، وأنَّ التحقيقات مستمرة في مكتب المدعي العام، ومؤخرًا تلقى السفير الدائم لليمن في اليونيسكو الدكتور محمد جميح من السلطات السويسرية ردَّا على رسالته لهم عبر أمانة اليونيسكو، إذ أكدوا إعادة العرشين للسلطات اليمنية بعد انتهاء التحقيقات".
آثار يمنية في إسرائيل
وبيّن السفير الأممي، محمد جُميح: "جرى مزاد في إسرائيل أواخر الشهر الماضي، عرضت فيه قطع أثرية يمنية للبيع، وقمنا بالتواصل مع اليونسكو، واليونسكو بدورها تواصلت مع صاحب المزاد، الذي أفاد بأنه وجد هذه القطع في بلدان أخرى في عمليات تنقيب خارج اليمن"، مُشدّدًا على أنه: "ادعاء كاذب وغير صحيح".
وذكر جُميح: "لأنه لم تتم ولم تجر أي عمليات تنقيب لا في السعودية ولا في عُمان، وهما البلدان اللذان يُمكن أن تكون فيهما قطع تعود إلى السياقات السبئية أو المعينية، وبالتالي أراد فقط أن يتهرب لكي يقول إن هذه القطع وُجدت في دول أخرى".
وبحسب الباحث محسن، فإن، "أغلب هذه الآثار، من مقتنيات جامِع الآثار الإسرائيلي شلومو موساييف، وقد جمع في حياته أكثر من 60 ألف قطعة أثرية من العالم، منها مجموعة كبيرة من آثارنا اليمنية، منها: أسدان برونزيان مشهوران في المتحف الإسرائيلي، وفارس يمتطي حصانًا برونزيًّا، وقلادة رأس ثور من الذهب الخالص".
أرقام وإحصائيات
في سياق حديثه عن الإحصائيات أبان جُميح أنه "لا توجد إحصائية محددة للآثار المهربة، ولذلك نسعى عن طريق اليونسكو إلى بناء قاعدة بيانات وطنية، تكون متاحة لكل من يتابع القطع اليمنية المهربة، وصراحة هذه إحدى المشاكل التي نواجهها، وهي عدم امتلاكنا لإحصائية بعدد القطع الأثرية المهربة، إلا أن هناك تقارير حكومية غير منشورة تُقدّر عدد قطع الآثار المهربة من اليمن بما يزيد عن 20 ألف قطعة أثرية".
كما أفاد بأن "اليونسكو بصدد بدء مشروع إعداد قوائم حصر وقاعدة بيانات وطنية، من أجل مساعدة وزارة الثقافة والحكومة اليمنية والمنظمات المحلية والدولية المعنية، على متابعة هذه الآثار واسترجاعها".
إلى ذلك، أعلنت ميليشيا الحوثي الانقلابية، عبر الهيئة العامة للآثار والمتاحف التابعة لها في صنعاء، في شهر مارس الماضي، عن مجموع القطع الأثرية المهربة، والتي بلغت بحسبهم 13 ألف قطعة، زاعمين أنه جرى تهريبها إلى الخارج خلال الـ30 عامًا الأخيرة.
استرداد المفقود والحفاظ على الموجود
وعن آلية استرداد القطع الأثرية المُهرّبة إلى الخارج يشير جُميح، إلى أن: "هناك طريقين للوصول لهذه القطع، الأول، عن طريق اتفاقية اليونيسكو، التي أُبرمت عام 1972، والتي تقضي بمنع التهريب والاتجار بالممتلكات الثقافية وهي الآثار، والآخر يكمن في عقد اتفاقيات ثنائية بيننا وبين البلدان الأخرى، كالتي عُقدت مع الولايات المتحدة، ونرجو أن نتمكن قريبًا من عقد اتفاقيات ثنائية لا سيما مع الدول التي يكثر تهريب الآثار اليمنية إليها".
ونفى جُميح، أن تكون تكاليف نقل الآثار إلى داخل البلاد باهظة، لافتًا إلى أن ما يسبقها من إجراءات هو الأمر المُكلّف، ومضى قائلاً: "نقل الآثار أو نقل القطع التي ضبطناها في الخارج وإعادتها إلى الداخل مسألة ليست صعبة، ولا دخل لأجور النقل فيها"، مستطردًا: بأن "الصعوبات تكمن في أننا لا بدَّ أن نمر عبر القضاء، والقضاء الدولي مكلف".
وحول دور وزارة الثقافة في الحكومة اليمنية، يقول جُميح: إنها "متعاونة معنا، وتتواصل بشكل مستمر، تجري اتصالاتها، ولكن نحن بحاجة إلى توقيع اتفاقيات ثنائية مع البلدان، كالتي بيننا وبين الولايات المتحدة؛ لأن الاتفاقية الثنائية تلزم البلد الذي وجدت فيه قطع أثرية يمنية، بضرورة ضبطها والتحفظ عليها لحين عودتها إلى البلاد".
وعن الطرق المناسبة التي يجب انتهاجها للحفاظ على ما تبقى من آثار داخل البلاد، يؤكد جُميح أنها تكمُن في: "مكافحة التهريب في الداخل، وذلك يكون عن طريق تدريب شرطة مختصة لحماية الآثار، وكذا تدريب حرس الحدود وخفر السواحل، ثم بعد ذلك يأتي الدور على العمل الحمائي، بمعنى تشديد الحراسة، عبر بناء ما يمكن بناؤه من مصدات وأسوار وسياجات بما تسمح به قوانين اليونسكو، وتشديد الرقابة على الحدود البرية والبحرية والمنافذ الجوية".
وأكمل جُميح، حديثه: "إن استعادة هذه الآثار عملية شاقة، والأفضل من ذلك الحفاظ عليها، ومنع التهريب من الداخل، لأنها إذا خرجت من البلاد يصعب عودتها فيما بعد، وتحتاج إلى المزيد من الجهود والأموال.
وشدّد محسن على ضرورة "تغيير قانون الآثار، وتشديد العقوبات المتعلقة بالتهريب والعبث بالمواقع الأثرية، وعمل إستراتيجية وطنية للحفاظ على الآثار، والقيام بإحصاء وطني شامل للآثار الموجودة في المتاحف وخارج المتاحف، وللمواقع الأثرية ومقتنيات البعثات الأثرية الدولية والمحلية".
وطالب محسن "بعمل كروت خاصة بالقطع الأثرية ليتسنى استردادها في حالة سرقتها وتهريبها، وتوفير الحماية الكافية للمواقع الأثرية، وتأهيل قوات إنفاذ القانون والجمارك للتعامل مع هذه القضايا، وتفعيل دور هيئة الآثار والمتاحف، وتشكيل لجنة وطنية لمتابعة الآثار المهربة من الهيئة ووزارة الثقافة ووزارة الخارجية وقطاع قضايا الدولة في وزارة الشؤون القانونية".
مؤتمر دولي واتفاقيات ثنائية
من جهته دعا وزير الثقافة في الحكومة اليمنية معمر الإرياني، إلى "عقد مؤتمر دولي للحفاظ على الآثار اليمنية وحمايتها، والعمل على تحشيد الموارد المالية والفنية اللازمة لمساعدة اليمن في حماية وصيانة الآثار التي تزخر بها، لحمايتها من التلف ومنع وقوعها في أيدي المنظمات الإرهابية والإجرامية".
وحث الإرياني، في منشور أورده عبر حسابه الرسمي على منصة "إكس" "الدول الشقيقة والصديقة، إلى أن تحذو حذو الولايات المتحدة عبر إبرام اتفاقيات مشابهة، للمساعدة في حماية الآثار اليمنية من الاتجار غير المشروع، والعمل على إغلاق مصدر مهم من مصادر تمويل الإرهاب في العالم".
يُشار إلى أنه، في أواخر شهر أغسطس من العام المنصرم، جرى التوقيع بين اليمن وأمريكا على مذكّرة تفاهم، تقضي بموجبها فرض الأخيرة قيود استيراد على أنواع من المواد الأثرية والإنثولوجية، لحماية التراث والآثار والممتلكات الثقافية اليمنية، ومنع تهريبها إلى الولايات المتحدة.