عدن ودورها البارز في مقارعة الاحتلال البريطاني في الجنوب ودعم ثوار سبتمبر ضد الإمامة في الشمال
مثخن الجراح كخالد آخر، سار والوهن معه، المناضل مطيع عبدالله دماج في أروقة حافة حسين بـ”كريتر”، شطر منزل الصحفي محمد علي لقمان، مالك ورئيس تحرير جريدة فتاة الجزيرة، كان يحمل الرجل همًا برى جسده واليمنيين جميعهم في شمال الوطن حينها.
شكا “دماج” حال اليمن الجريح في ظل حكم الكهنوت في مقالٍ له في صحيفة فتاة الجزيرة وهي أولى الشرارة وبركان الرفض ووجد الأحرار في الجريدة العدنية العريقة متنفسًا وفي لقمان نعم الخليل.
في 14 مايو من العام 1944م كان دماج أول الواصلين إلى عدن من المعارضين للحكم الملكي الظالم في الجزء الشمالي من الوطن اليمني؛ كما وجد الشاعر عقيل عثمان عقيل هو الاخر مساحة كافية لمخاطبة اليمنيين في فتاة الجزيرة ونشر فتيل الرفض للحكم الإمامي؛ وسرعان ما تحولت عدن إلى خدر أم تأوي الأحرار ومنطلقًا للثورة ضد الإمام.
في عدن، توطدت علاقة الأحرار في شمال الوطن والذين فروا من بطش الكهنوت بأحرار عدن كمحمد علي لقمان ومقارع الاستعمار محمد حسن خليفة والشيخ محمد بن سالم البيحاني وطابور طويل من أصدقاء البندقية ورفقاء النضال.
تفاصيل يرويها المؤرخ العدني جبران شمسان
الزبيري في عدن
بعد أيام من وصول المناضل دماج؛ إلى عدن وصل الشاعر المناضل إبراهيم الحضراني وفي 4 يونيو 1944م وصل الشاعر والقاضي محمد محمود الزبيري والأستاذ والخطيب أحمد محمد النعمان وبعد أيام لحق بهما الشاعر الشهيد الموشكي والقاضي الشامي ليبدأ الأحرار بالتوافد إلى عدن من أجل القضية.
نزل الزبيري والنعمان في بداية الأمر في دار الشيخ عبدالله الحكيمي بمديرية الشيخ عثمان ومعهما الشهيد الموشكي والقاضي الشامي؛ وانتقلا للسكن في التواهي في رحاب عبده إسماعيل جاوي والأخير هو أحد اعيان عدن؛ فيما صار هذا المنزل مقر لحزب الأحرار وسكنهم.
يرجع السبب في انتقال الزبيري والأحرار من مديرية الشيخ عثمان إلى التواهي إلى كون منزل الشيخ الحكيمي تترصده عيون العسعس التابعة للإمام؛ إلا أن زيارة الإمام أحمد إلى عدن 1946م؛ -حينها كان وليًا للعهد- تخللت طلب تسليم الزبيري والنعمان تارة بالشدة وتارة باللين لكن دون جدوى خاصة مع تغير الزبيري والنعمان لسكنهما. خاصة مع انتقالهما إلى سكن أخر محفوف بالسرية لدى الشيخ خير الدين علم الدين.
أدار الزبيري والأحرار صحيفة صوت اليمن الذي رأس تحريرها النعمان؛ تأسست في 13 أكتوبر 1946م في عدن؛ وهي الناطقة باسم الجمعية اليمنية الكبرى؛ وأخذت صوت اليمن في نقد الظلم والتخالف المعمول به في شمال الوطن وجور الحكم الإمامي البائد. ونزل الزبيري والأحرار في عدن وتنقلوا بين الشيخ عثمان والتواهي وكريتر وكان الناس في عدن مؤمنين بما يؤمن به الأحرار.
لم يكن لقمان مجرد صحفي فحسب
كان لتوافد الأحرار والنشر في فتاة الجزيرة له أيقاع كبير؛ فاشترط الإنجليزي على الأحرار عدم الانشغال بالسياسة والبقاء كلاجئين سياسيين فقط؛ وقام حاكم عدن -حينها- باستدعاء لقمان المحامي وسأله إن كان سيضمنهم من ناحية الاستقامة والحالة المالية فضمنهم لقمان؛ لتستمر الاجتماعات للأحرار في السر.
هُددت فتاة الجزيرة من قبل حاكم عدن بالإغلاق فور نشرها برنامج حزب الأحرار بحجة أن ذلك اشتغال بالسياسة التي حُظرت على اللاجئين السياسيين اليمنيين؛ فيما نجت الصحيفة من الإحراق في 23/8/1948م وذلك بعد نشر لقمان لمذكراته حول ثورة 1948م؛ ولم تكن علاقة لقمان بالأحرار متعلقة بنشر المقالات فحسب؛ إنما علاقة حميمة ومتينة حيث أزر لقمان الثورة ووقف إلى جانبها بقوة في شمال الوطن.
كانت زيارته -الإمام- إلى عدن ظاهرها العلاج وباطنها ترصد الأحرار وتصيدهم؛ صاحبه في زيارته محمد علي عثمان الذي قام سرًا بتحذير الزبيري والنعمان من نية الإمام المبيتة باختطافهما أو تسميمهما من قبل عملاء الإمام؛ فأخفاهما الشيخ خير الدين علم الدين فيما استحال على جميع الأطراف بمن فيها المخابرات البريطانية تحديد مكانهما؛ حيث لم يكن بمقدور أحد معرفة سكنهم غير الشيخ خير الدين ولقمان.
نزل الإمام أحمد (ولي عهد أبيه) عام 1946م في قصر الشكر بالروزميت بعدن (القصر العبدلي) وحاولا إقناع الزبيري والنعمان بضرورة العودة قاطعًا الوعود بالإصلاح وإقامة العدل لكنها كانت محاولات يائسة؛ وما إن انتقد لقمان الإمام هدده بالقتل.
إلى جانب خليفة؛ ذهب لقمان عند انفجار ثورة 1948م إلى تعز برًا وصنعاء جوًا للمشاركة في الدفاع عن الثورة؛ حيث شارك صاحب فتاة الجزيرة في قراءة بيانات الثورة وخطبها وأحاديثها من إذاعة صنعاء.
إدارة الثورة وصولًا لثورة 1948م
شكلت الكتابات في فتاة الجزيرة والقصائد في مخيم أبو الطيب المتنبي وتأليب مناضلين حزب الأحرار في عدن موقدًا للثورة؛ كان في ريعان شبابه (36) عامًا عندما قدم الزبيري إلى عدن؛ أربع سنوات مرت في رحاب التهيئة والإعداد واستلاهم روح الثورة والتي تكللت في ثورة 1948م والتي أفضل لمقتل الإمام يحيى حميد الدين.
عمل الزبير إلى جانب النعمان في الحقل التعليمي في مدرسة بازرعة بكريتر؛ وأفضى الإعداد لقيام ثورة 1948م؛ إلى ترسيخ الثورة في أذهان اليمنيين الحالمين بالتحرر والانعتاق من الحكم الإمامي الكهنوتي البغيض في شمال الوطن؛ فيما من يرى الثورة حققت أهم ما فيها والتخلص من الإمام يحيى ابن حميد الدين؛ لكن الإمام أحمد -ولي عهد أبيه- استطاع وائد الثورة يعد أن كان قد فر هاربًا إلى محافظة حجة.
استطاع الإمام أحمد إخماد الثورة وذهب الكثير من الأحرار بين قتيل وأسير ومشرد؛ ليعود معها الإمام أحمد من حجة إلى تعز ليتم معها نهب الأئمة صنعاء؛ حينها عاد الزبيري إلى عدن باكيًا هذه المرة خسارة رفقاء الدرب ومنها غادر إلى باكستان.
ناصر الناس قضية اليمن والمطالبة بتغير النظام البائد في شمال الوطن كلًا من محمد حسن خليفة وإخوانه والسيد حامد الصافي وعبدالرزراق فكري وعلي عبدالله باصهي وعبدالله أرسلان ويوسف حسن السعيدي وكل آل لقمان والنادي الأغبري والنادي الذبحاني وطابور طويل من اليمنيين.
الرحل والترحال بالنسبة للأحرار سوى كان في عدن أو في المناطق التي تحكمها سطوة الإمام؛ شكل نضوجًا للأحرار وكانت ثورة 1948م؛ هي مقدمة ومستهلًا لثورة 26 سبتمبر 1962م؛ وكما أزالت ثورة 48 حكم الإمام الأب؛ أزالت ثورة 62م حكم الإمام الابن وولادة الجمهورية.
سبتمبر نت