دراسة جديدة لمركز مسارات للاستراتيجيا والإعلام..

الإسلام السياسي بعد عقد ونيف من الربيع العربي (مقاربة سياسية)

المدنية أونلاين/فؤاد مسعد:

أفضت الأحداث والتطورات التي أعقبت اندلاع ثورات الربيع العربي في دول عدة إلى واقع جديد ومتغيرات جديدة، وطال التغيير بنية الأنظمة الحاكمة، ودفعت بقوى جديدة إلى واجهة الأحداث والتحولات، سيما في الدول: تونس ومصر وليبيا واليمن، فيما لا يزال الصراع يسود في سوريا، والتوتر يعم السودان، والأزمات تلاحق لبنان والإخفاق يلازم أداء الحكومات المتعاقبة في العراق.

ومن بين القوى التي ظهرت بقوة مع اندلاع احتجاجات الربيع العربي التيار السياسي الإسلامي أو ما يطلق عليه تيار “الإسلام السياسي”، وشمل ظهوره مختلف الدول التي شهدت ثورات الربيع في موجتها الأولى (تونس ومصر واليمن وسوريا وليبيا)، مع وجود تفاوت في حجم الظهور الإسلامي من بلد لآخر، وفيما يلي نعرض لما آل إليه وضع الإسلام السياسي في اليمن خاصة، والمنطقة العربية بشكل عام، بعد نحو عقد ونيف على اندلاع الثورات التي باتت تعرف بـ”الربيع العربي”، وما أعقبها من ردود فعل شكّلت ثورة مضادة في أكثر من دولة عربية.

اليمن: حرب إقليمية على الثورة

ما إن انطلقت فعاليات الثورة اليمنية بداية العام 2011 حتى بدأ التفاعل الإقليمي معها، تارة بكبح جماحها وتارة أخرى بالضغط على النظام الحاكم بتقديم تنازلات تتعلق بالسلطة، فكانت المبادرة الخليجية هي الاتفاقية التي مثلت آلية انتقال السلطة، وتضمنت انتقال رئاسة الجمهورية من الرئيس السابق علي صالح لنائبه عبدربه منصور هادي، وتشكيل حكومة وفاق مناصفة بين الحزب الحاكم وقوى المعارضة التي يمثلها تكتل أحزاب اللقاء المشترك وحلفائه، وكان حزب الإصلاح الإسلامي- أو الإسلام السياسي هو أبرز مكونات هذا التكتل الذي قاد العمل السياسي في السنوات الأخيرة من حكم الرئيس السابق صالح، كما وقاد العمل الثوري بعد إعلانه الانضمام للثورة.

ومع أن تدخل دول الخليج العربي – وفي المقدمة المملكة العربية السعودية، أفضى إلى تجنيب البلد الدخول في أتون الحرب حينها، إلا أنه حقق للنظام ورئيسه مكاسب لا يستهان بها، ومن ذلك منحه الحصانة البرلمانية من أي ملاحقة قانونية عما ارتكبه خلال فترة حكمه التي تزيد عن ثلاثين سنة، وبقاء حزبه مشاركاً في السلطة باحتفاظه بنصف الحقائب الوزارية ناهيك عن سيطرته المستمرة على المواقع الحكومية وقيادة السلطات المحلية في المديريات والمحافظات، وكذلك في المؤسسة الأمنية والعسكرية.

بدأت جماعة الحوثي التي أعلنت انضمامها للثورة الشعبية تمارس دور المعارضة منذ تشكيل الحكومة الجديدة وانتقال السلطة من الرئيس صالح لنائبه هادي، وكانت حجة الحوثيين وبعض القوى المتوافقة معها: مواجهة النفوذ السعودي والوصاية الأمريكية على اليمن، باتهام القوى السياسية المشاركة في السلطة الجديدة بالتنازل عن أهداف الثورة والقبول بالتسوية التي أفرغت الفعل الثوري من مضمونه، سيما بعد الاتفاق على منح صالح ومساعديه حصانة قانونية.

وتصاعد خطاب جماعة الحوثي، منذ النصف الثاني من العام 2013، مستفيداً مما جرى في مصر من تدخل الجيش وإقصاء الإخوان المسلمين من الحكم ومن المشهد السياسي، مع تصاعد الخطاب السياسي المناهض للإخوان من دول خليجية دعمت الجيش المصري في حركته ضد الإخوان، وإقدام دول عدة على تصنيف الإخوان كجماعة إرهابية اتساقاً مع مخطط إقصائهم بشكل نهائي- في مصر وبقية الدول العربية. وجد الحوثيون في ذلك فرصتهم التي لا تعوض، فأخذوا يتبنون الخطاب ذاته محلياً ليس ضد الإخوان المسلمين في مصر، ولكن ضد حزب الإصلاح الإسلامي المرتبط فكريا ومذهبيا بمدرسة الإخوان المسلمين، فكسب الحوثي ثقة خصومه السابقين في نظام الرئيس صالح وحزبه المؤتمر الشعبي العام الذي كانوا يتطلعون للانقضاض على الإصلاح باعتباره أكبر القوى السياسية والاجتماعية في المعارضة والثورة التي أطاحت بهم، ونشأ تحالف (حوثي- مؤتمري) يضع الحرب ضد الإصلاح على رأس أهدافه وقواسمه المشتركة، وانضم إلى التحالف الطارئ قوى محلية وأخرى إقليمية أرادت أن تكرر تجربة مصر في اليمن.

وحصل الحوثيون على الدعم والتمويل من جمهورية إيران عبر تهريب الأسلحة والخبراء الإيرانيين والعراقيين واللبنانيين، وأخذت الجماعة تتوسع متجاوزة معاقلها الرئيسية في صعدة شمال اليمن بالتمدد جنوباً، حتى وصلت العاصمة صنعاء وتمكنت من إسقاطها والسيطرة على غالبية المحافظات اليمنية منذ سبتمبر 2014.

الثمن المدفوع

لم يدخر الحوثيون أي جهد في الحرب على الإصلاح وحلفائه من العسكريين وشيوخ القبائل، ودفع الإصلاحيون ثمن ذلك باهظا، وبات أغلب قيادات الحزب وقواعده مشردين في الداخل والخارج، سيما القيادات البارزة والأعضاء الذين تخضع مناطقهم لسيطرة جماعة الحوثي، وقد انعكس ذلك على وضع الإصلاح ومنتسبيه في كافة المحافظات، وكما تصدر الإصلاح جبهة الحرب ضد الحوثيين فقد نال نصيب الأسد من الخسائر البشرية والمادية على مستوى جميع المحافظات.

منذ سنوات الثورة والانقلاب يعيش الإصلاحيون أوضاعاً صعبة جراء استهداف الحوثي أولا، وبسبب الموقف العدائي لبعض مكونات التحالف العربي تجاه تيار الإسلام السياسي ممثلاً هنا بحزب الإصلاح، بمعنى أن الحرب على الإصلاح ليست عملاً حوثياً فحسب، ولكن ثمة حرب أخرى يتعرض لها الحزب من قوى محلية تناصبه العداء.

مستقبل الإسلام السياسي

إن كان لنا أن نستشرف مستقبل التيار الإسلامي في اليمن والمنطقة العربية، فلابد من النظر إلى ذلك في ضوء الواقع الذي يعيشه اليوم وفي ظل التحديات الراهنة التي يواجهها، ويمكن القول وبإيجاز أن الظروف الراهنة – بما هي على ارتباط وثيق بأحداث الماضي، فهي تشكل مقدمة لما يمكن أن يشهده المستقبل، ويقودنا ذلك إلى استنتاج مفاده أن واقع الصراعات التي تعيشها تيار الإسلام السياسي سواء في اليمن أو في بقية الدول العربية التي شهدت ثورات الربيع وواجهت الثورة المضادة، مع تفاوت في واقع كل تيار بالنظر إلى ظروفه المحلية وسماته الخاصة وقدرته على التفاعل والتعاطي مع تلك الظروف.

في اليمن يظل مستقبل الإصلاح رهنا بما تعيشه البلاد من صراع وما يمكن أن تفضي إليه أي تسوية سياسية، ذلك أن تسويات الحروب لا تعالج واقع الصراع فقط قدر اهتمامها بتسوية الأرض وتهيئة القوى لواقع جديد يراعي حجم القوى السياسية ومقدار ما منحته لها التسوية السياسية، في حال نجحت التسوية بتوافق داخلي وضغط خارجي.

أما في حال استمرت الحرب فلا شك أن لذلك تبعات وتداعيات قادرة على استنزاف الكثير من موارد البلد ومكتسباته- فوق ما خسرته اليمن خلال سنوات من الحرب التي مضى عليها نحو 8 سنوات. ولن يكون أي تيار سياسي – بما في ذلك تيار الإسلام السياسي- بمنأى عن تداعيات الحرب وخسائرها، ما يعني أن التجربة السياسية برمتها ستفقد الكثير من عوامل بقائها وصمودها، وكلما زاد لظى الحرب اشتعالا كلما زاد حجم الخسائر في شتى المجالات. وستكون القوى السياسية أكثر ضعفاً وأقل قدرة على مواجهة تداعيات الحرب.