
إسلاميو الجنوب.. صفحات مشرقة من تاريخ منسي
تعد الجمعية الإسلامية التي تشكلت عام 1949م برئاسة محام باكستاني مسلم هو (محمد عبد الله) ومعه عدد من أبرز العلماء والشخصيات الإسلامية, مثل: الشيخ محمد بن سالم البيحاني, وعلي باحميش, ومحمد علي الجفري, والصافي, وحسين محمد دلمار, أول نواة للعمل الإسلامي في المدينة لكن غَلب على هذا الطور من العمل الإسلامي الاهتمام بالنواحي الدعوية والثقافية والتعليمية.. وأخفقت التشكيلة التي انضمت إليها-لاختلاف مشاربها ومدارسها الفكرية والسياسية- في تكريس الجمعية كحركة إسلامية ولذلك فسرعان ما خبا نشاط الجمعية خلال عامين بعد وفاة مؤسسها, وانتقال عدد من رموزها مثل محمد علي الجفري والصافي إلى شكل سياسي آخر هو رابطة أبناء الجنوب, الذي برز منذ عام 1951م كأقوى الأحزاب السياسية اليمنية على مستوى المناطق الواقعة تحت النفوذ البريطاني آنذاك.
عمر طرموم
كان عمر سالم طرموم من الناشطين الإسلاميين من أعضاء الجمعية الإسلامية, وقد أتاحت له مدينة عدن ثم هجرته إلى الحبشة، فرصة متابعة الأحداث ومطالعة المؤلفات والصحف والمجلات الصادرة في حقبة ما قبل الستينيات, فقد تعرف إلى فكر الاسلام الحركي؛ لكنه لم يتجاوز هذه الخطوة إلى مربع تكوين حركة إسلامية, ويبدو انه اكتفى بالعمل من خلال الواجهات الموجودة على الساحة, فنشط من خلال "الجمعية الإسلامية" ثم "الرابطة" ثم انصرف إلى العمل التربوي سيما في المعهد الإسلامي الذي أسسه الشيخ محمد بن سالم البيحاني عام 1957.
وكان الأستاذ طرموم مستوعبا للثقافة السياسية الحزبية التي تزخر بها مدينة عدن, وللتجديد الفكري الذي أدخلته المدرسة الإسلامية الحديثة, ووظف هذا وذاك في العمل الإسلامي الذي كان يؤسس له, فاستفاد من فكر الاسلام السياسي, وثقافة التحزب في بناء العمل الإسلامي, وكان نشاط المركز يتجه نحو إحياء المناسبات الدينية, والعمل على تحصين الأفراد والمجتمع من تأثير التيارات الفكرية الأخرى.
الكفاح ضد المحتل
كان تواجد الإسلاميين في عدن أمراً طبيعيا بحكم الانفتاح السياسي والإعلامي الذي كانت تعيشه عدن في تلك المرحلة, وارتباطها بما يحدث في العالم أكثر من أي جزء آخر من اليمن الطبيعي , وعند تشكيل الجبهة القومية انخرط عدد من الشباب الإسلاميين في تنظيم الجبهة القومية, وعلى رأسهم أبو بكر شفيق وحسين عبدالله مساوى (أبوهاشم) اللذان قادا العمل الفدائي في مدينة عدن وشغلا لاحقا عضوية أول لجنة تأسيسية لحزب الإصلاح كامتداد طبيعي للحركة الاصلاحية، وشاركا بفعالية في أولى العمليات العسكرية, مثل عمليات: ضرب المطار العسكري, ونادي سلاح الطيران.. كما كان لهم دور أساسي في انتفاضة 20 يونيه 1967م التي سيطر خلالها الفدائيون على منطقة (كريتر) وطردوا القوات البريطانية منها قرابة أسبوعين.
المركز الثقافي
كان ضمن مجموعة (القاهرة) طلاب من المناطق الجنوبية الواقعة تحت سيطرة المستعمر البريطاني شاركوا في تأسيس الحركة الإسلامية هناك.. وعندما عاد أبرزهم وهو البروفيسور محمد علي البار, بدأ في تنفيذ اتجاهات مجموعة القاهرة, وبدأ الإسلاميون في عدن عملهم المنظم في تأسيس المركز الثقافي الاجتماعي الإسلامي أواخر عام 1963م, لكن العمل الحقيقي كان يتم باسم حركة الطليعة العربية الإسلامية, إلى أن تم تأسيس المركز بصفة رسمية في مايو عام 1966م, والذي صار واجهة سياسية للحركة في عدن.
وفي المركز كان الأستاذ عمر طرموم يقيم محاضرات غالبها في تفسير القرآن الكريم, حيث كان له نمط معين في استخلاص بعض المفاهيم الإسلامية.
ولم يقتصر اهتمام الإسلاميين في عدن على الشباب فحسب, بل مدوا جسور التواصل مع العلماء البارزين الأقرب إلى روح الحركة الاصلاحية , أمثال الشيخ محمد بن سالم البيحاني, والشيخ على باحميش, والشيخ الغرباني, وغيرهم, وعندما كانت مخاطر وصول اليسار إلى السلطة تلوح في الأفق, برز نوع من التنسيق السياسي بين الإسلاميين وقائد الجيش "حسين عثمان عشال".
رسالة علماء الجنوب
وبعد الاستقلال وأثناء التجاذب بين جناحي الجبهة القومية حول هوية وطبيعة النظام السياسي الجديد, وبسبب بروز بعض الأصوات والمظاهر اليسارية المتطرفة "بادرت قيادة الحركة الإسلامية في عدن من خلال واجهتها السياسية المركز الثقافي الاجتماعي الإسلامي الذي كان يرأسه الأستاذ عمر طرموم, وكان أمينه العام الدكتور محمد علي البار, بادرت إلى تقديم نفسها للنظام الجديد بعد الاستقلال برئاسة قحطان الشعبي وتنظيم الجبهة القومية, التي عرفت خلاياها أفراداً من جماعة الإخوان المسلمين إبان مقاومة الاستعمار, وتحركت من خلال المركز الثقافي لجمع علماء جنوب اليمن وصياغة رسالة شهيرة مطلع ديسمبر ... تدعو حكومة الاستقلال إلى تحقيق عدد من المطالب الشعبية, من بينها تعزيز هوية الشعب وتصفية الموروثات السلبية للاستعمار, وتحقيق العدل الاجتماعي, وإقامة نظام وطني إسلامي يستمد مشروعيته من الشعب, وأعربوا عن استعدادهم للعمل في إطار النظام الجديد, ووقع على تلك الرسالة عدد كبير من علماء ومثقفي الجنوب, على رأسهم الشيخ محمد سالم البيحاني, والشيخ علي باحميش, والأستاذ عمر طرموم, والدكتور محمد علي البار وآخرون, ...والتقوا مع رئيس الجمهورية الأسبق قحطان الشعبي وسلموا له الرسالة, وقد أكد لهم الأخير اهتمامه بمضمون الرسالة ومناقشتها مع أعضاء مجلس الدولة في الجبهة القومية, غير أن الوقت مر دون أن يتلقى العلماء والمثقفون وأعضاء المركز الثقافي الاجتماعي الإسلامي أي رد.
مرحلة الإقصاء والتهميش
وبعد انتهاء التفاعلات في الجنوب بعد الاستقلال إلى سيطرة اليسار المتشدد على الجبهة القومية والسلطة معاً، وهو تيار لم يسبق له أن أدار دولة, فتعامل مع كل المخالفين له بالإقصاء والقتل والتشريد والاغتيالات, وكان نصيب الحركة الإسلامية من ذلك الكثير, لأنها تمثل الخط الإسلامي من جهة, وبسبب تحالفها مع حسين عثمان عشال من جهة ثانية, ولأنه كان من السهل رصدها والوصول إليها والقبض على أعضائها من جهة ثالثة, إذ لم تكن ذات طبيعة تنظيمية معقدة, وبعد الإطاحة بنظام الرئيس قحطان الشعبي تم على الفور إغلاق المركز الإسلامي الثقافي بعدن, وهاجر معظم قيادات وأعضاء الحركة الإسلامية إلى مدينة تعز بعد تعرضهم للملاحقات والاعتقالات.
واستمر العمل الاسلامي خلال عقدي السبعينات والثمانينات ممثلا ببعض الرموز الدعوية امثال الشيخ محمد عبدالرب والشيخ محمد صالح رجب في عدن والشيخ محمد عوض بانجار والعلامة علي سالم بكير في حضرموت حتى إقرار التعددية السياسية في عام 90م،
حيث تأسس حزب الإصلاح وانخرط فيه اغلب التيار الاسلامي في الجنوب فيما أسس الراحل عمر طرموم برفقة شخصيات محسوبة على الاسلاميين بينهم الشخصية الوطنية المهندس فيصل بن شملان ود.علي هود باعباد ود علوي بافقيه، ود. كرامة سليان حزبا آخر أطلقوا عليه اسم (المنبر) و اصدروا صحيفة تحمل نفس الاسم.