مساعٍ يمنية لتمويل دولي لصالح الاحتياجات الإنسانية

المدنية أونلاين/صحف:

حذّر اقتصاديون يمنيون من حدوث تضخم جديد في الاقتصاد اليمني واللجوء إلى خيارات صعبة، مؤيدين سعي الحكومة للحصول على تمويل مستمر للاحتياجات الإنسانية من خلال مبادرات صندوق النقد الدولي، على اعتبار اليمن من أكثر الدول المستحقة للتسهيلات، وذلك بعد أيام من حصول الحكومة على تمويل دولي للخدمات.

وخلال فعاليات الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين في مراكش المغربية؛ طالب اليمن الصندوق بضرورة مساهمته في تأمين جزء من التمويل للاحتياجات الإنسانية الأكثر إلحاحاً، من خلال المبادرات التي يقدمها الصندوق، على اعتبار اليمن من أكثر الدول المستحقة للاستفادة من هذه التسهيلات، مع ضرورة إلغاء متأخرات سداد الدين الخارجي.

ووفق موقع البنك المركزي اليمني؛ فقد دعا أحمد غالب محافظ البنك إلى ضرورة مساهمة صندوق النقد الدولي في تأمين جزء من احتياجات التمويل للحاجات الإنسانية الأكثر إلحاحاً من خلال المبادرات التي يقدمها الصندوق، على اعتبار اليمن من أكثر الدول المستحقة للاستفادة من هذه التسهيلات.

وأوضح غالب أن الشروط المرتبطة بهذه المبادرات لا تراعي الواقع، وتجعل مهمة الدول التي تعاني من الهشاشة والحروب صعبة للحصول عليها، وخاصة اشتراطات الاستدامة المالية واستدامة الدين العام وضرورة عدم وجود متأخرات في سداد الدين الخارجي، وهي اشتراطات منطقية في الظروف الطبيعية، وستكون قابلة للتحقيق متى عم السلام في تلك البلدان، ومتى ما تمكنت من استغلال مواردها المعطلة.

وتأسف محافظ البنك لأن هذه الاشتراطات تتكرر في كل المبادرات وتنطبق على كل برامج الدعم وبرامج المساعدات الإقليمية والدولية الأخرى؛ لأنها تحذو حذو الصندوق في مبادراته، مجدداً دعوته للصندوق لإعادة النظر في اشتراطات تلك المبادرات والبرامج حتى تكون أكثر واقعية وأكثر إنسانية خاصة في البرامج التي تصمم لمعالجة كوارث طارئة ومشاكل استثنائية وتستهدف البلدان التي تعيش أوضاعاً غير طبيعية.

تمويل «حاسم» لصالح الخدمات

الدعوة اليمنية جاءت بعد أيام من إعلان البنك الدولي موافقته على منحة من المؤسسة الدولية للتنمية بقيمة 150 مليون دولار أميركي على اعتبار أنه تمويل إضافي ثانٍ لمشروع رأس المال البشري الطارئ في اليمن، لتحسين خدمات الصحة والتغذية والمياه والصرف الصحي لملايين الضعفاء.

ووفقاً لمجلس مديري البنك؛ فمن المقرر أن يستمر هذا التمويل الذي وصف بـ«الحاسم» في مواصلة تقديم الخدمات الأساسية في مجالات الصحة والتغذية وإمدادات المياه والصرف الصحي والنظافة العامة، مع تعزيز أنظمة عملها في جميع أنحاء البلاد.

ويركز المشروع الطارئ على أربعة مجالات رئيسية في اليمن، وهي تحسين خدمات الرعاية الصحية والتغذية في مراكز الرعاية الصحية الأولية والمستشفيات، وتعزيز إمدادات المياه وخدمات الصرف الصحي وتعزيز النظم المحلية، وتوفير الدعم الشامل للمشروع وإدارته، ودعم القدرات المؤسسية وتعزيز قدرة نظام الصحة والمياه والصرف الصحي على تحسين التغطية وجودة الخدمات الأساسية.

وتكمن أهمية التمويلات الخارجية في حل أزمة الحكومة المالية الخانقة الحالية بعد توقف تصدير النفط، لتسهم إلى حد كبير في تمويل الخدمات الحكومية للمواطنين، كما يرى الباحث الاقتصادي اليمني رشيد الآنسي في حديثه مع صحيفة «الشرق الأوسط» حيث يتساءل عن كيفية استغلال هذه التمويلات دون أن يطالها الفساد، أو يجري تبديدها كما حدث في تمويلات سابقة.

فالاقتصاد اليمني يسير بخطى متسارعة نحو الانهيار - وفقاً للآنسي - خاصة بعد تقارير تظهر انخفاضاً شديداً في معدل النمو عكس ما كان متوقعاً إذا ما تمت هدنة عسكرية، وذلك لبطء حركة برنامج الإصلاح الاقتصادي من قبل الحكومة التي ما زالت تدير الاقتصاد بالطريقة نفسها منذ الأيام الأولى للحرب. وفق قوله.

وعلى الجانب الآخر، تمسك الجماعة الحوثية بقبضة حديدية كل مقدرات التنمية في محاولة لإيجاد اقتصاد موازٍ خاص بها على حساب قوى الاقتصاد التقليدية التي أسهمت في التنمية خلال عقود ما قبل الانقلاب الحوثي، خاصة وأن هناك مؤشرات لانعدام النقد الأجنبي في مناطق سيطرة الحوثي.

ويشير الآنسي إلى تجنب كثير من الشركات والبنوك وشركات الصرافة تسلم الحوالات المالية في مناطق سيطرة الحوثي، وتفضل تسلمها في المناطق المحررة، لوجود معروض من سيولة النقد الأجنبي، مقابل تراجع هذا المعروض بشكل كبير في مناطق سيطرة الحوثيين الذين يطالبون الناس بتسلّم تحويلاتهم وحساباتهم بالعملة المحلية وفقا لسعر صرف غير عادل، جرى فرضه بالقوة.

تحذير من تطفل حوثي

لكن التمويل المطلوب لن يحقق زيادات في كمية العملات الأجنبية في السوق المالية اليمنية؛ وفقاً لباحث اقتصادي يمني آخر، فضّل عدم ذكر اسمه لعمله في مناطق سيطرة الحوثيين، ولن يدعم تعافي العملة المحلية، لكنه سيسهل حصول المستوردين على هذه العملات، ما يخفف من أعباء الحصول عليها، ويمنع تسربها أو تهريبها، ويمكن من تمويل واردات السلع الأساسية.

الباحث اليمني الذي يعمل في مركز أبحاث ينشط في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، حذّر من الحساسية المرتبطة بالصراع القائم في اليمن، فطلب التمويلات من طرف البنك المركزي اليمني الذي تديره الحكومة الشرعية؛ يمكن أن يحدث رفضا وتشكيكا من طرف الجماعة الحوثية يؤثر على تقديم المساعدات لليمنيين.

وأوضح الباحث أن الجهات الدولية المانحة أثبتت في كثير من المواقف خضوعها لابتزاز الحوثيين والتساهل معهم، وتسليم المعونات والتمويلات لهم، برغم انعدام ثقتها في طريقة استخدامهم لهذه المعونات، وإمكانية توجيهها لصالح الاستقطاب السياسي والعسكري، وعدم استفادة المستهدفين بها أساسا.

من جهته يشدد الباحث الاقتصادي اليمني عبد الحميد المساجدي، في حديثه مع «الشرق الأوسط»، على ضرورة تمويل موارد البلد الشحيحة والمفرغة من النقد الأجنبي بعد توقف تصدير النفط.

ويقول إن توفير مصادر لهذا التمويل عن طريق المنح بات أمراً ملحاً لاستمرار الحياة في اليمن، وديمومة تقديم الخدمات للسكان في أدنى مستوياتها، مستدلاً على ذلك بتوقف إمداد كثير من المناطق المحررة بالكهرباء.

كما أفاد المساجدي بأنه لا مفر من الحصول على مثل هذه التمويلات حتى لا تلجأ الحكومة إلى تمويل العجز من مصادر تضخمية تزيد من الفقر والفقراء، إذ إن ارتفاع عجز الموازنة وعدم قدرة سياسات الحكومة النقدية على تأمين الاحتياجات التمويلية اللازمة لفواتير الاستيراد، سيؤدي إلى نقص كبير في معروض السلع وارتفاع أسعارها وتراجع القدرة الشرائية للسكان.