قال إن بايدن يقود حملة قوية لإنهاء الصراع.. ليندركينغ: هناك تقدم حقيقي لتحقيق السلام في اليمن (حوار)
أكد تيموثي ليندركينغ، المبعوث الأميركي لليمن، أن الرئيس بايدن يقود حملة دبلوماسية مكثفة متكاملة وينفذها فريقه عبر استخدام القوة الدبلوماسية للولايات المتحدة لحل الصراع اليمني على نحو دائم.
كان من المقرر أن نلتقي الدبلوماسي الأميركي المخضرم في مدينة جدة الساحلية خلال زيارته قبل نحو أسبوعين، إلا أن جدول أعماله المزدحم حال دون الجلوس بشكل مباشر.
وبحسب الخارجية الأميركية فإن جولة ليندركينغ إلى منطقة الخليج العربي ركزت على دعم الجهود القائمة لضمان التوصل إلى اتفاق جديد بشأن عملية سلام شاملة في اليمن.
وتحدث ليندركينغ في حوار موسع مع صحيفة «الشرق الأوسط» عن تقدم «حقيقي» في الملف اليمني، مبيناً أن العمل جار لضمان استمرار تحسن الأوضاع على المدى الطويل، وأن تقدم النقاشات المستمرة أفضل فرصة للسلام شهدناها منذ سنوات.
وشدد المبعوث الأميركي على أن عملية سياسية يمنية - يمنية شاملة تعالج القضايا والمسائل الجوهرية، مثل تخصيص الموارد، هي التي يمكنها حل الصراع بشكل دائم، معترفاً بأن الطريق صعب، لكن هنالك أمل في أن نشهد تقدماً حقيقياً في هذا الاتجاه، على حد تعبيره.
وفي رده على سؤال حول الضمانات لتنفيذ الحوثيين لأي اتفاقات قادمة، تجنب تيم ليندركينغ التعليق على ما وصفها بـ«النقاشات الحساسة الجارية»، لكن هناك حسن نية أظهرته الأطراف أخيراً، مبدياً تفاؤلاً إزاء إمكانية توصل الأطراف المعنية لاتفاق جديد موسع يمهد الطريق لسلام شامل ودائم.
وشجع المسؤول الأميركي الحوثيين على الاستمرار في اختيار مسار المفاوضات، وتفضيله على الهجمات، مشيداً في الوقت نفسه بدور مجلس القيادة الرئاسي في تخفيف معاناة الشعب اليمني، والتزامه بالهدنة التي مهدت الطريق أمام التقدم الذي نعاينه اليوم.
وعن تصور الولايات المتحدة لشكل الدولة اليمنية ما بعد الحرب، قال الدبلوماسي الأميركي المخضرم إن لدى الولايات المتحدة إيماناً راسخاً بأن اليمنيين فقط من يمكنهم تقرير مستقبل بلادهم، وإن أميركا مع أي جهود من قبل مجلس القيادة الرئاسي للتنسيق حول وضع رؤية لمستقبل اليمن، بما في ذلك القضايا الحرجة مثل قضية الجنوب.
كما عرج ليندركينغ على العديد من القضايا والملفات المتعلقة بالأزمة اليمنية، وانعكاس الاتفاق السعودي – الإيراني على الاستقرار في المنطقة، فإلى تفاصيل الحوار...
تقدم حقيقي في مناقشات السلام
أشار الدبلوماسي الأميركي إلى أن الهدنة التي تمت بوساطة الأمم المتحدة في أبريل (نيسان) 2022، وما أعقبها من فترة تخفيف للتصعيد، أتاحت تحقيق ما نراه اليوم من تقدم، حيث قلّصت القتال بشكل كبير، وأوقفت الهجمات التي تحدث على الحدود، وأنقذت آلاف الأرواح خلال فترة هدوء تعدّ هي الأطول منذ بداية الحرب، كما أتاحت إجراء حوار مكثّف بين الأطراف، وتحقيق تقدم في خطوات مهمة لبناء الثقة مثل الإفراج عن 900 معتقل في بداية الشهر الحالي.
وأنهت الحكومة اليمنية وجماعة الحوثي أخيراً صفقة لتبادل الأسرى والمحتجزين استمرت 3 أيام؛ تم الإفراج خلالها عن 887 شخصاً من الطرفين، بإشراف من اللجنة الدولية للصليب الأحمر. كما أفرجت السعودية، من جانبها عن 104 أسرى من عناصر الجماعة الحوثية بالتنسيق مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر ضمن مبادرة إنسانية.
وأوضح ليندركينغ أن الولايات المتحدة الأميركية ساعدت، بالتنسيق مع الأمم المتحدة، في تأمين الهدنة، وأضاف «توصلنا إلى توافق دولي بشأن جهود السلام، وقمنا بتأييد المشاركة الإقليمية المتجددة في جهود السلام التي نشهدها اليوم، لقد فعلنا، وسوف نستمر في فعل كل ما يسعنا فعله، من أجل المساعدة في إنهاء الصراع اليمني في أقرب وقت ممكن، وتمثل الزيارة السعودية والعمانية الحالية لصنعاء خطوة مهمة نحو الأمام فيما يتعلق بهذه الجهود».
وأجرى وفد سعودي برئاسة السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر نقاشات مباشرة مع الحوثيين لخمسة أيام منتصف أبريل الحالي ركزت على الوضع الإنساني، وإطلاق جميع الأسرى، ووقف إطلاق النار، والحل السياسي الشامل في اليمن.
ووصفت الخارجية السعودية حينها النقاشات بـ«الشفافة»، وأنها جرت وسط أجواء تفاؤل، على أن تستكمل تلك اللقاءات في أقرب وقت؛ بما يؤدي إلى التوصل إلى حل سياسي شامل ومستدام ومقبول من جميع الأطراف اليمنية.
وشدد المبعوث الأميركي على أن «الإدارة الأميركية منحت الأولوية لحل الصراع في اليمن منذ اليوم الأول، حيث أوضح أول خطاب للسياسة الخارجية ألقاه الرئيس بايدن، والذي تم إلقاؤه في غضون أسابيع قليلة عقب توليه للرئاسة، أننا سوف نتبع دبلوماسية قوية للمساعدة في إنهاء الحرب الدائرة رحاها في اليمن».
وتابع «لقد أشركت كافة الأطراف ذات الصلة، منذ تعييني في فبراير (شباط) 2021، لتحقيق تقدم نحو إنهاء الحرب، ويتوافق هذا الهدف مع استراتيجية الأمن القومي التي تبناها الرئيس، والتي تعطي الأولوية لتخفيف التصعيد الإقليمي، وحل الصراع من خلال الدبلوماسية».
وتحدث تيم عن «انعطاف ملحوظ عن النقطة التي كنا عندها حين تولت إدارة بايدن شؤون الحكم» مضيفاً بقوله «نحن لا نقلل من شأن التحديات الكبرى التي نواجهها، لكن التقدم حقيقي، ونحن نعمل حالياً على القيام بكل ما نستطيع فعله لضمان استمرار تحسن الأوضاع على المدى الطويل».
مسار الدبلوماسية والإنسانية
أكد تيم ليندركينغ أن بلاده تركز في الملف اليمني على شقين: الأول الجبهة الدبلوماسية، حيث تنخرط الولايات المتحدة الأميركية بشكل فاعل وكبير مع الشركاء اليمنيين والإقليميين والدوليين من أجل بناء توافق حول جهود السلام، والحثّ على التوصل إلى مواءمات وحلول وسط، والحرص على أن يحظى اليمن بالأولوية.
ولفت المبعوث إلى أنه في الوقت الذي يقود فيه الدبلوماسية اليومية، هناك جهود يبذلها فريق من المستوى الأعلى القيادي إلى المستوى الأسفل، وفصّل ذلك بقوله «ركّزت زيارة الرئيس بايدن إلى جدة خلال الصيف الماضي بشكل كبير على الصراع اليمني، وقد شاركت في تلك المناقشات التي دعمت فيها الولايات المتحدة المشاركة السعودية - الحوثية المباشرة التي نراها اليوم، وخلال الشهرين الماضيين فقط شهدنا مشاركة أميركية مستمرة لدعم جهود السلام في اليمن، منها تواصل الرئيس بايدن مع سلطان عمان، وتواصل بلينكن، وزير الخارجية الأميركي، مع وزير الخارجية السعودي، وتواصل جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي، مع ولي العهد السعودي، كذلك يعزز كل من المنسق بريت ماكغورك، وباربرا ليف، مساعدة وزير الخارجية، جهودنا الدبلوماسية على مستويات قيادية في المنطقة باستمرار».
ووفقاً لليندركينغ فإن هناك «حملة دبلوماسية مكثفة متكاملة يقودها الرئيس وينفذها فريقه» مستطرداً بالقول «نحن ملتزمون باستغلال كل القوة الدبلوماسية الأميركية من أجل المساعدة في حل هذا الصراع على نحو دائم».
الشق الثاني الذي تعمل عليه الإدارة الأميركية – بحسب تيم - هو الجبهة الإنسانية، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة الأميركية تظل واحدة من أكبر المتبرعين في المساعدات الإنسانية لليمن، وأضاف «في 27 فبراير، أعلن وزير الخارجية عن تقديم أكثر من 444 مليون دولار كجزء من حزمة مساعدات إنسانية جديدة، مما يجعل إجمالي ما نقدمه من دعم أكثر من 5.4 مليار دولار منذ بداية الصراع».
وتابع «كذلك نعمل بدأب لحشد مجتمع المتبرعين الدوليين باتجاه منح أموال وفيرة لتمويل مساعدات إنقاذ الحياة لليمنيين في إطار خطة الاستجابة الإنسانية للأمم المتحدة لعام 2023، التي لا يزال بها فجوة تمويلية كبيرة، كما عملت الولايات المتحدة على دفع حملة دولية لتفريغ النفط من الخزان العائم المتهالك (صافر) لمنع حدوث كارثة بيئية إقليمية، واضطراب اقتصادي في هذا المجرى المائي العالمي الحيوي، وتفاقم الأزمة الإنسانية الأكبر في اليمن».
ورحب في الوقت نفسه بالأنباء التي تشير إلى أن الناقلة الجديدة «نوتيكا»، التي تم شراؤها حديثاً، في طريقها الآن إلى اليمن من أجل إتمام هذه العملية.
طريق صعب للسلام
في رده على سؤال عما إذا كانت هنالك فرص حقيقية هذه المرة لإنهاء النزاع المستمر منذ ثماني سنوات، أجاب المبعوث الأميركي بقوله «في رأيي تقدم النقاشات المستمرة أفضل فرصة للسلام شهدناها منذ سنوات، لقد أنقذ تخفيف التصعيد بالفعل آلاف الأرواح، وتدعم الولايات المتحدة الأميركية أي جهود سلام في اليمن، لقد طال أمد هذه الحرب، ويجب أن تنتهي في أقرب وقت ممكن».
ولفت إلى أن بلاده «ترى بوضوح أن عملية سياسية يمنية - يمنية شاملة تعالج القضايا والمسائل الجوهرية، مثل تخصيص الموارد، هي التي يمكنها حل الصراع بشكل دائم، والمساعدة في وضع حد للأزمة الإنسانية الأليمة في اليمن». معترفاً بأن «الطريق إلى مثل هذه العملية صعب، لكن يحدوني الأمل في أن نشهد تقدماً حقيقياً في هذا الاتجاه».
إجماع دولي لتسوية دائمة في اليمن
تسوية دائمة للصراع من خلال عملية سياسية يمنية ـ يمنية تضطلع الأمم المتحدة بدور الوساطة فيها هو ما يتفق عليه المجتمع الدولي والشركاء الإقليميون بحسب ليندركينغ، مضيفاً «نحن متحدون في دعم مثل هذه العملية، ومن ناحيتها، تعمل الولايات المتحدة على ضمان أن أي عملية سياسية تتكامل مع جهود التعافي، والتي تحظى بدعم قوي من الشركاء الإقليميين والدوليين، وتعزز التعاون الاقتصادي بين اليمن وجيرانها».
يجب على الحوثيين اختيار المفاوضات على الهجمات
تجنب المبعوث الأميركي لليمن الحديث عن الضمانات لتنفيذ الحوثيين أي اتفاقات قادمة، بالقول إنه لا يود «التعليق على تفاصيل المناقشات الحساسة الجارية» لكنه استطرد حديثه قائلاً «أعتقد أن هناك تقديراً بأن العديد من القضايا التي يرغب الحوثيون في تناولها لا يمكن تسويتها سوى من خلال عملية سياسية يمنية ـ يمنية بوساطة الأمم المتحدة».
وأضاف «لقد أظهرت الأطراف المعنية في الفترة الأخيرة حسن النية تجاه تنفيذ اتفاق، بوساطة من الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر، للإفراج عما يقرب من 900 محتجز من جميع أطراف النزاع، ما يشكل مؤشراً إيجابياً يوحي باستعداد وقدرة الأطراف على خوض التفاوض».
وتابع «ما زال التفاؤل يخالجني إزاء إمكانية توصل الأطراف المعنية لاتفاق جديد موسع يمهد الطريق لسلام شامل ودائم، لكن تحقيق ذلك يستلزم من الحوثيين الاستمرار في اختيار مسار المفاوضات، وتفضيله على الهجمات، إننا نعيش الآن لحظة جديدة مفعمة بالفرص، ومن المهم أن يبقي المجتمع الدولي بأسره على اهتمامه بهذه القضية، وأن يدعو الحوثيين والأطراف الأخرى للتعاون مع جهود السلام».
دور مجلس القيادة الرئاسي في استمرار الهدنة
تحدث المبعوث الأميركي بإيجابية عن دور مجلس القيادة الرئاسي لا سيما في تثبيت الهدنة وتخفيف معاناة اليمنيين رغم الهجمات الحوثية المستمرة، وقال «سبق وأشدنا بحكومة الجمهورية اليمنية، بقيادة مجلس القيادة الرئاسي، لاستمرارها في التمسك ببنود اتفاقية الهدنة التي لعبت فيها الأمم المتحدة دور الوساطة، وكذلك لممارستها ضبط النفس في مواجهة هجمات الحوثيين على البنية التحتية الاقتصادية لليمن».
وأضاف بقوله «من خلال الاستمرار في التمسك ببنود الهدنة، ساعد مجلس القيادة الرئاسي في تخفيف معاناة الشعب اليمني، ومهد الطريق أمام التقدم الذي نعاينه اليوم، كما نرحب بالالتزام المعلن من جانب مجلس القيادة الرئاسي تجاه اتخاذ خطوات إضافية لتحقيق السلام قبل سفر الوفدين السعودي والعماني إلى صنعاء في وقت سابق من الشهر».
اليمنيون فقط يقررون مستقبل دولتهم
في إطار التحضير لمشاورات سلام قادمة بين الأطراف اليمنية، والحديث عن ماهية شكل الدولة وما يجب عليه أن تكون، لا سيما المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يطالب باستعادة دولة الجنوب ما قبل الوحدة اليمنية التي تحققت عام 1990، أكد الدبلوماسي الأميركي أن لدى الولايات المتحدة إيماناً راسخاً بأن اليمنيين فقط من يمكنهم تقرير مستقبل بلادهم، ولذلك، ندعم عملية سياسية يمنية ـ يمنية شاملة للمساعدة في تناول المسائل المتعلقة بمستقبل الدولة اليمنية.
وأضاف «بوجه عام، ندعم أي جهود من قبل مجلس القيادة الرئاسي للتنسيق حول وضع رؤية لمستقبل اليمن، والاستعداد لعملية سياسية، وأود التأكيد مجدداً أن اليمنيين فقط من يمكنهم تقرير مستقبل بلادهم، بما في ذلك القضايا الحرجة مثل قضية الجنوب، وستساند الولايات المتحدة عملية شاملة بوساطة الأمم المتحدة لمعالجة هذه القضايا وغيرها».
الاتفاق السعودي الإيراني يعزز السلام في اليمن
يرى ليندركينغ أن التقدم الأخير على صعيد جهود السلام في اليمن، يعد ثمرة عامين من الجهود الدبلوماسية المكثفة بقيادة الأمم المتحدة، وبدعم من الولايات المتحدة والشركاء الإقليميين.
وقال في تعليقه على الاتفاق السعودي الإيراني الأخير «ترحب الولايات المتحدة بأي جهود لتهدئة التوترات في منطقة الشرق الأوسط، الاتفاق الأخير بين المملكة العربية السعودية وإيران، لا يمكنه إقرار السلام في اليمن، وأرى أن أولئك الذين يساورهم هذا الاعتقاد، يسيئون فهم العلاقة بين إيران والحوثيين، وطبيعة جهود السلام الحالية».
ويعتقد المبعوث الأميركي أن «التقدم على صعيد جهود السلام في اليمن ـ بما في ذلك وقف الهجمات الكبرى للحوثيين عبر الحدود ضد السعودية لأكثر عن عام ـ هو الذي ساعد على تسهيل إبرام الاتفاق السعودي ـ الإيراني، وكلاهما يعتبر جهداً مهماً من قبل المملكة العربية السعودية للمضي في خفض التصعيد».
وأضاف «منذ بداية عهد إدارتنا، أيدنا التفاوض المباشر بين السعودية وإيران، بما في ذلك جولات متعددة من المحادثات جرت في بغداد ومسقط، ونتفهم أن إيران قد قطعت تعهدات في إطار هذه العملية بالحد من بعض أنشطتها المزعزعة للاستقرار الإقليمي، والتي أدت حتى الآن إلى الإسراع من وتيرة حل الأزمة في اليمن، وإذا التزمت إيران بذلك، فسيكون أمراً يعود بالنفع على منطقة الشرق الأوسط بأكملها، ويقلل من خطر إفساد جهود السلام في اليمن، إلا أننا جميعاً لا نزال بانتظار رؤية فيما إذا كانت ستجري ترجمة هذه الالتزامات إلى أفعال على أرض الواقع».