عدن مدرسة النضال الوطني وقاعدة انطلاق الثورة ضد حكم الإمامة

المدنية أونلاين/فؤاد مسعد:

حضرت مدينة عدن، كل مراحل النضال الوطني ضد الحكم الإمامي في الشمال، وضد الاستعمار الأجنبي في جنوب اليمن، وكانت بما فيها من حركة ونشاط ومراكز ثقافية ومنتديات وملتقيات أدبية وفكرية وإبداعية، تشكل عامل جذب لمثقفي اليمن من كل أرجاء الوطن.

وقصدها الأحرار والثوار الذين قرروا مواجهة الحكم الإمامي المستبد، وفيها استقر كثير من شباب اليمن المستنير، حيث كانوا يجدون فيها ما يصبون إليه من نشاط ثقافي ولقاءات تضم مختلف فئات الشعب وأغلبهم من المتطلعين للخلاص من الظلم والاستبداد والعزلة التي فرضتها الإمامة على شمال اليمن، في عهد الإمام يحيى حميد الدين وابنه أحمد.

انتقل أبو الأحرار الثائر الأديب محمد محمود الزبيري ورفاقه أحمد محمد نعمان وزيد الموشكي وأحمد الشامي، وأسسوا حزب الأحرار اليمنيين، وأعلن الزبيري هناك قصيدته الشهيرة:

سجل مكانك في التاريخ يا قلمُ

فهاهنا تبعث الأجيال والأممُ

هنا البراكين هبّت من مضاجعها

تطغى وتكتسح الطاغي وتلتهمُ

وتوسعت حركة الأحرار اليمنيين في عدن والتف حولها أبناء الشعب من مختلف المحافظات، يجمعهم الأمل بغدٍ جديد لا وجود فيه لظلم الإمامة وحكمها العنصري المستبد المتخلف، أعدوا مشروع الميثاق الوطني وخططوا لثورة العام 1948، التي أجهزت على حكم الإمام يحيى حميد الدين، وكادت تحقق الانتصار لولا أن الظروف والملابسات الداخلية والخارجية حالت دون ذلك، لكنها أسست واقعاً جديداً بعدما كشفت ضعف الإمامة وعجزها عن مواجهة الشعب اليمني.

بقيت عدن هي الحاضرة في المعادلة الوطنية يتجمع فيها الأحرار والثوار، وفيها تتشكل الأحزاب والحركات الثورية الوطنية التي وضعت في طليعة أهدافها القضاء على حكم الإمامة وتحرير الوطن من الوجود الأجنبي، ومن ثم التأسيس للدولة اليمنية الحديثة.

وكما تآزر ثوار اليمن من كل حدب وصوب من أجل تحقيق أهدافهم، اتفقت مشاريع الإمامة والاستعمار على محاربة الهوية اليمنية واستمرار تمزيق الأرض والإنسان في اليمن، وحرص الطرفان على تمزيق خارطة اليمن وتقاسمها بينهما، وفي سبيل ذلك وقع الأئمة عدداً من الاتفاقيات والمعاهدات مع سلطات الاحتلال البريطاني، وفي مضمونها الإقرار بواقع تمزيق اليمن ومحاربة أي حركة تسعى للتحرير والحفاظ على الهوية اليمنية.

وكانت قد تشكلت في عدن خلال فترة الخمسينيات من القرن العاشرين الحركة العمالية التي مثلت القضية الوطنية اليمنية ورسخت الوعي الوطني بالإيمان بوحدة اليمن أرضاً وإنساناً، والإيمان بوحدة النضال الوطني في جنوب اليمن وشماله. وتبلور الوعي الوطني في عدن على أساس وحدة الشعب اليمني ومواجهة مشاريع الاستعمار الأجنبي في جنوب اليمن ومشاريع الحكم الإمامي الرجعي في الشمال.

وما إن أشعل الأحرار في صنعاء ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962 حتى هبت الجماهير في عدن تحيي ثورة سبتمبر وتبارك انطلاقتها، وتعلن دعمها ومؤازرتها حتى النصر، مؤكدة الإيمان بمبادئها وأهدافها التي كان في طليعتها التحرر من الاستبداد والاستعمار ومخلفاتهما وإقامة حكم جمهوري عادل، وفي ذلك تتجلى أروع الأدلة والبراهين على واحدية الثورة والإرادة والأرض والقرار الوطني.

وبعد قيام الثورة الخالدة التي أعلنت القضاء على حكم الإمامة وإقامة النظام الجمهوري، انطلق الأحرار من كل مناطق اليمن شمالا وجنوباً للدفاع عن الثورة التي التف الجميع حولها، وأصبحت هي خيار أحرار اليمن وثواره في مواجهة الإمامة التي ظلت جاثمة فوق صدور الشعب، تفرض الفقر والجهل والمرض والخرافة والدجل، كما فرضت العزلة على اليمن وجعلت الشعب كله يعيش في سجن كبير لا ينفذ إليه ضوء العصر الحديث الذي أخذ يصل إلى كل بقاع الأرض.

وقد حاول الاستعمار البريطاني أن يجعل مناطق الجنوب التي يسيطر عليها قاعدة لدعم الإمامة والحرب على الثورة والنظام الجمهوري لكن أبناء الجنوب الأحرار أفشلوا ذلك المخطط، وصارت مناطق الجنوب قواعد دعم وإمداد لثورة سبتمبر، تدعمها بالرجال الأبطال الذين وصلوا إلى كل جبهات الدفاع عن الثورة في مختلف محافظات الشمال، وشارك أبطال ردفان والضالع ويافع والصبيحة وأبين وشبوة في انتصار الثورة والقضاء على حكم الإمامة إلى الأبد.

انطلقت شرارة ثورة سبتمبر في صنعاء، وسارع أحرار الجنوب للالتحاق بصفوف الثورة دعماً لها وتأييداً لأهدافها السامية ودفاعاً عنها، وفي كل جبهات الدفاع عن الثورة الخالدة كان الثوار من جنوب اليمن يسجلون حضورهم في أنصع صفحات التاريخ، تعزيزاً لواحدية الأرض والهدف من الثورة التي هبت رياحها لاقتلاع الاستبداد الإمامي والاستعمار الأجنبي.

ومن جبال ردفان الشماء انطلق الثوار بقيادة الشيخ البطل راجح بن غالب لبوزة للدفاع عن ثورة سبتمبر، وفي جبال صنعاء وعمران وحجة كان لبوزة ورفاقه الأحرار يدفنون أحلام الإمامة ويطاردون فلولها وينسجون فجر الحرية ويصنعون مستقبل اليمن الواحد الكبير.

ولقد أراد الحكم الإمامي المستبد ومعه الاستعمار الأجنبي تقسيم الأرض اليمنية حسب مصالحهم، واتفقوا على توزيع اليمن الكبير إلى كانتونات صغيرة تتوافق مع مشاريعهم الصغيرة، فجاءت إرادة الشعب التي جسدها ثوار الوطن وعلى رأسهم راجح لبوزة الذي مزّق بفعله الثوري الشجاع خطوط المؤامرة وخيوط المتآمرين حينما اجتاز حدود الاستعمار ليضع حداً لحكم الإمامة ويشارك في بناء اليمن الجديد.