السودان.. «انقلاب» أم تصحيح للثورة؟ (تحليل إخباري)

المدنية أونلاين/متابعات:

دخل السودان من جديد في دوامة الاضطرابات العميقة، بعد إعلان رئيس مجلس السيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، تولي الجيش للسلطة، وحل مؤسسات الفترة الانتقالية بما فيها مجلس السيادة الذي يرأسه بنفسه، وهي خطوة قد تعمق، في رأي كثيرين، الخلافات والانقسامات وتنذر بنتائج وعواقب وخيمة، رغم أن أنصار هذه الخطوة يرون أن الإجراءات ليست انقلاباً، ولكنها تصحيح لمسار الثورة.

ورغم إعلان الفريق البرهان التزامه بإكمال مسار الثورة، وبالوثيقة الدستورية، التي تحكم الفترة الانتقالية، فإنه قام بتجميد 7 مواد منها وهي المواد 11، 12، 15، 16، 24/ 3، 71، 72، وهي مواد تتعلق بوقف التشريعات المتعلقة بمهام الفترة الانتقالية، ما أدى إلى إثارة تأويلات وتحليلات، بأن الإجراءات الجديدة، ما هي إلا تراجع بالكامل عما تم الاتفاق عليه في الوثيقة، وبالتالي فهي «عملية تمزيق كاملة للوثيقة»، كما يقول مكتب رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، في بيان نشره عقب اعتقال مجموعة من عناصر الأمن لرئيس الوزراء وأخذه إلى مكان مجهول.

وتتعلق المادتان 11 و12 بشكل خاص، بتشكيل مجلس السيادة الانتقالي واختصاصاته وسلطاته، والمادتان 15 و16 بتجميد عمل لجنة تفكيك نظام 30 يونيو (نظام البشير) ووقف التحقيق في جريمة فض الاعتصام التي وقعت في الثالث من يونيو (حزيران) 2019، (المادة 16) المتهم فيها المكون العسكري.

أما المادة 24/ 3 فتتعلق بتكوين المجلس التشريعي الانتقالي، وتقول تحديداً إنه يتكون بنسبة 67 في المائة ممن تختارهم قوى إعلان الحرية والتغيير، و33 في المائة للقوى الأخرى غير الموقعة على الإعلان، لكنها شاركت في الثورة التي أسقطت نظام البشير في أبريل (نيسان) 2019.

أما المادة 71 فتنص على أن الوثيقة الدستورية تستمد أحكامها من الاتفاق السياسي لهياكل الحكم للفترة الانتقالية الموقع بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى إعلان الحرية والتغيير، وفي حالة تعارض أي من أحكامهما تسود أحكام هذه الوثيقة.

وتشير المادة 72 إلى أن المجلس العسكري الانتقالي يتم حله بأداء القسم الدستوري من قبل أعضاء مجلس السيادة.

ويقول محللون في الخرطوم، إن الخطوات التي اتخذها الفريق البرهان، هي «انقلاب كامل الدسم»، رغم تأكيده التمسك بـ«إكمال التحوّل الديمقراطي إلى حين تسليم قيادة الدولة إلى حكومة مدنية، بانتخابات تجري في يوليو (تموز) عام 2023، وإعلانه الالتزام بتشكيل حكومة كفاءات وطنية مستقلة»، خلال ما تبقى من الفترة الانتقالية، تدير شؤون البلاد إلى حين تسليم السلطة إلى «حكومة منتخبة».

ويقولون إن الإصلاحات لا تتم عبر الانقلاب على الوثيقة الدستورية، وإن خطوته ستزيد الانقسام وتعمقه، وتضع البلاد على فوهة بركان منفجر.
ويدافع البعض عن الإجراءات الجديدة بالتأكيد أن جانباً من الأحزاب السياسية، والحركات المسلحة تقف مع قادة الجيش، وأنه يستطيع تكوين حكومة من عريضة تنال احترام الشارع، كما يستطيع بسط الأمن، وإنهاء الأزمة في الشرق، مع إعلان نظارات البجا تأييدها للبرهان.

وسيواجه النظام الجديد تحديات داخلية وخارجية جمة؛ أولها أن الملايين التي خرجت في 21 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي نصرة للانتقال المدني، يمكن أن تعود للشارع من جديد، مع بدء الآلاف منهم في التظاهر بالخرطوم ومدنها الثلاث، وفي الأحياء والمدن السودانية الأخرى.

يأتي هذا مع إعلان قوات الأمن والجيش أنها ستفعل قانون الطوارئ، ما يعني توقعات بصدامات دموية قد تحدث في الساعات المقبلة.

وتؤكد الأنباء الآن أن هناك دعوات للاعتصام قرب مقر القيادة العامة. كما أعلنت جهات ونقابات عديدة من بينها نقابات عمالية وطلابية حالة العصيان المدني، ما يشل حركة البلاد ويؤثر في الاقتصاد الهش أصلاً.

وفي الجانب الآخر، فقد توالت الإدانات الدولية الخارجية، من بينها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، وألمانيا، والأمم المتحدة، لـ«الانقلاب»، ودعوتها قادة الجيش إلى التراجع والسماح للحكومة التي يقودها المدنيون بمواصلة عملها، كما لوح الجانب الأميركي بقطع المساعدات إلى السودان إن لم تتم «إعادة بسط سلطة رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك والحكومة الانتقالية الكاملة بشكل تام».

وفي هذا الإطار، يرى البعض أن الخطوة التي أعلنها الجيش قد تعيد السودان إلى نقطة الصفر، وزمن الحصار، خصوصاً في ظل تكهنات بأن ما حصل هو بتأييد عناصر النظام السابق الذي حكم السودان بالحديد والنار على مدى 3 عقود.