جهود وتطلعات مجتمعية لإعادة الوجه الحضاري لمعالم أثرية بمدينة عدن

المدنية أونلاين_وئام نجيب_عدن

 

جهود حثيثة تُبذل من قبل الناشطين والمهتمين في مجال المواقع الأثرية، يسعون من خلالها إلى المحافظة على المواقع الأثرية في المدينة بعد أن طالها التخريب والإهمال المتعمد، حيث عمد أعداء التطور على البناء في حرم تلك المواقع مما أدى إلى طمس ملامح المواقع الأثرية وسلبها قيمتها الاعتبارية، الأمر الذي يجعلنا نعتقد أن الأعمال العشوائية تستطيع اختراق الأسوار والبوابات وربما الحراسات إلى داخل صهاريج عدن التاريخية لبناء منازل عشوائية فوق وداخل الحرم الأثري.

صحيفة «الأيام» كانت قد شاركت استشاري من الصندوق الاجتماعي للتنمية وناشطين ومختصين إضافة إلى سكان من المديرية ذاتها، النزول إلى صهاريج عدن، بعد معرفتها برغبة الصندوق في إعادة تأهيل الصهاريج، وخرجنا بالحصيلة التالية.. ​

وفي النزول تم استعراض أمور هامة عن المواقع الأثرية والتغييرات والإهمال والتخريب الذي طرأ عليها وخاصة «صهاريج عدن» أمام استشاري الصندوق الاجتماعي للتنمية.

تخريب
معروف إبراهيم
وفي اللقاء قام استشاري جيولوجي، معروف إبراهيم، بالإشارة إلى الوجود الكثيف للنازحين في مهلكة الفرس الذين يعملون على تصريف مجاريهم إلى مستجمع المياه المغذي لحوض مدينة كريتر الأمر الذي سيؤدي إلى تلوث مياه الآبار ويتسبب في كارثة كبيرة، وأما عن الصهاريج فقد قام ببنائها الأجداد من أجل حماية المدينة وللأسف فقد أتى من يخربها، وفي العالم قلما يتواجد معلم أثري يؤدي أدواره الوظيفية باستمرار حتى الآن، ومنظومة الصهاريج من أعلى الجبال وحتى البحر، وتوجد صهاريج في صيرة، كما توجد صهاريج في القلعة بأعالي جبل شمسان على ارتفاع 553 مترا. 

عبث
وفي حديثه لـصحيفة «الأيام» أشار استشاري بيئة وتنمية وناشط اجتماعي، إبراهيم محمد، إلى أنه «تم إقامة أكثر من محاضرة للناشطين والمواطنين في المديرية عن الصهاريج وذلك لتوعية الناس بأهمية المواقع الأثرية، وجئنا بمعية ناشطين وسكان من المديرية لإيصال رسالة هامة تمثل في أن الوضع الأمني مستقر وعلى أتم الاستعداد للبدء في أي تأهيل للمواقع الأثرية ومنها صهاريج عدن؛ ولاطلاع المرسل من الصندوق الاجتماعي للتنمية على ذلك والمساهمة إلى جانبه في ترتيب الأولويات، وقدمنا له طلب إقامة ندوات في هذا الجانب».
أثناء لقاء استشاري الصندوق مع ناشطين
ونوه قائلاً: «جرى البسط والبناء العشوائي على المواقع الأثرية والمتنفسات، كما تم العبث بصهريج بليفير ويبلغ عمقه 18 مترا وسعته أكثر من 4 ملايين جالون، حيث عمد عابثون على تعد كبير من خلال قيامهم بنزع بعض من أحجاره واستخدامها للبناء، لاسيما وانه في حال حدوث سيول قد يتسبب في كوارث طبيعية كونه متهالكا، كما انه تم الاعتداء على القلاع المتواجدة في أعالي الجبال، فقد تم تحويل بعضها إلى ثكنات عسكرية، كما ان البناء العشوائي في المعالم الأثرية يعد تعديا سافرا ويجب معالجته، ويجب أن تكون هناك سياسة لوقف هذا العبث ولهذا للموضوع أهمية بالغة بالنسبة للمجتمع».

تحليل بيئة العمل
وفي تصريح خاص لـصحيفة«الأيام» نوه استشاري الصندوق الاجتماعي للتنمية أحمد المريسي «أتينا اليوم من أجل تحليل بيئة العمل وذلك استغرق ثلاثة أيام متواصلة؛ حيث كان النزول للاطلاع على الوضع الأمني للمنطقة في حال رغبت منظمات من تدخلات مستقبلية، ويستهدف هذا النزول إعادة تأهيل قصر العبدلي وصهاريج في مديرية صيره؛ والان سوف يتم رفع التقارير للمنظمة».

جهود مضنية
وفي فبراير الماضي من هذا العام قام عدد من القيادات المحلية للمجلس الانتقالي الجنوبي م/ صيرة، وممثلين عن كل من: الجمعية الوطنية للبحث العلمي، ونقابة المهندسين، والبيئة، وعدد من الناشطين  الشباب بزيارة استطلاعية إلى صهاريج عدن، وكان في استقبالهم مدير فرع الهيئة العامة للآثار والمتاحف محمد سالم وعدد من اختصاصيي المسح في الهيئة.

مشكلات 
وفي هذا النزول أفاد رئيس إدارة الخدمات بانتقالي صيرة م.علي عبدالله البري بأن «هناك مشكلتين خطيرتين يتعرض لهما هذا المعلم كان قد طرحهما لنا الاخ رئيس فرع الهيئة العامة للآثار، المشكلة الاولى تتمثل في الاهمال المتعمد من قبل الدولة للترميم الشامل للمباني، الممرات، القنوات، والأرضيات...الخ، وإن حدث ترميم فقد كان بشكل جزئي ولا يتناسب مع المواصفات والمقاييس والمعايير التي يجب مراعاتها عند ترميم المعالم التاريخية والآثار، مما نتج عن ذلك نتائج سلبية أثرت على المنظومة، وشوهت المعالم الأثرية»، مؤكدا أنه «منذ ما بعد الحرب عام 1994م وحتى العام 2015م لم تقم دولة الاحتلال بترميم شامل لهذا المعلم التاريخي، رغم العديد من المناشدات والمتابعات من قبل الإدارات المتلاحقة للآثار للجهات الحكومية المختصة، وليس هذا فحسب بل إنه تم تعطيل عدد من المبادرات الهادفة إلى ترميم شامل تقدمت بها بعض المنظمات الدولية المهتمة بالإرث التاريخي الإنساني العالمي، كما أكد أن هذا الإهمال والتجاهل لايزال مستمرا من قبل سلطات الشرعية منذ العام 2015م وحتى يومنا هذا».
صهريج بليفير
وتابع: «أما عن المشكلة الثانية فهي البسط والبناء العشوائي الذي طال أرض الصهاريج  وحرمها، من قبل الكثير من الناهبين والعابثين تاريخ عدن خاصة والجنوب عامة، وذلك البسط والنهب تم تنفيذه على مرحلتين إحداهما ابتدأت منذ العام 2011م وحتى العام 2015م ، حيث معظم من قاموا بالاعتداء وتحديد المساحات والبسط عليها وتقسيمها كانوا للأسف من أبناء المنطقة أو الأحياء المجاورة، وهم من يدعون أنهم أبناء عدن، مبررين أفعال النهب هذه بحجج ظروفهم المادية أو السكنية الصعبة، وهذا التبرير كان بمثابة كلمة حق يراد بها باطل، فهم الذين كان يأمل منهم أن يكونوا اول المدافعين عن هذا المعلم، فمعظم ابناء عدن يعانون من مثل هذه الظروف الصعبة، إلا أنه مع هذا وانصافا للتاريخ فإنني اشهد انه قد لبى الكثير من أبناء هذه المنطقة نداء الوطن وكانوا في مقدمة المقاتلين في صفوف المقاومة الجنوبية اكان بالدفاع عن كريتر أو بتحريرها من الاحتلال الحوثي عفاشي في العام 2015م وسقط منهم في سبيل ذلك العديد من الجرحى والشهداء، هؤلاء هم أبناء عدن الحقيقيين قولا وفعلا وهم محل تقدير واحترام عند أبناء عدن خاصة وأبناء الجنوب عامة».

انتهاك واعتداء
وأردف البري: «بالرغم من مطالبة القائمين على الصهاريج السلطات المحلية التدخل لوقف هذه التعديات وردع المعتدين إلا أن السلطات لم تحرك ساكنا، الامر الذي شجع هؤلاء الناهبين وغيرهم وخاصة الفترة من العام 2015م وحتى يومنا هذا إلى المزيد من التعديات وقضم أرض وحرم الصهاريج والتصرف بها بالبناء والبيع والشراء، وحتى إن بعض هؤلاء الناهبين يقومون بتوفير الحماية اثناء البناء للمشترين الجدد، والذين لا يختلفون كثيرا عن من أتى من كل حدب وصوب، بل إننا نعتبرهم شركاء في الجريمة المتمثلة بالاعتداء والنهب والعبث بتاريخ الجنوب ومعالمه الأثرية، وكل هذه الانتهاكات تحدث يوميا وبكل يسر وبساطة أمام مرأى ومسمع السلطات المحلية وكأن الأمر لا يعنيها».
صهريج بليفير الذي تم نزع جزء من حجارته
ومن هذه الزيارة تم استخلاص أهم الملاحظات الأولية والتي تمثلت في بدء ظهور بعض التشققات في بعض الجدران الساندة، وتآكل مونة البوميس الثمينة من حول بعض أحجار المباني، مما أدى إلى تساقط بعضها من بعض الجدران الساندة، وكذا تهالك وتساقط مساحات كبيرة من لياسة البوميس الواقية على جوانب الصهاريج الداخلية والخارجية، والتأثير الواضح لعمليات التعرية على صخور كبيرة تقع ضمن تكوين الجبال المطلة على الصهاريج والتي يصل وزن الواحدة منها إلى 500 طن، وإذا لم تعالج سريعا وبطرق فنية سيؤدي سقوطها إلى كوارث لا تحمد عقباها، كذلك تمت ملاحظة حدوث انهيارات صخرية محدودة في الجبال المحاذية، والحالة السيئة القائمة عليها القنوات المائية بسبب الإهمال وعدم الترميم الدوري من ناحية واعمال البناء العشوائي التي طالتها من ناحية أخرى.

أضرار
وقال أيضا: «أثناء جولتنا الاستطلاعية في الصهاريج كان لابد من الوقوف عن قرب والتعرف على التعديات والبسط والعبث الحاصل والأضرار الناتجة عن البناء العشوائي، والحقيقة فقد صعقنا جميعا لما شاهدناه، وسأورد هنا أهم  مشاهداتي وهي: العدد الكبير للمباني العشوائية والتي قد يصل عددها إلى أكثر من 20 مبنى معظمها لا يزال في طور البناء، ومنها عدد محدود مسكون، تم بناء بعض المباني على بعد أقل من متر واحد من السور المحاذي لجبال الصهاريج وبعضها تم بناؤه فوق السور مباشرة، تمدد البناء العشوائي (أفقيا) على امتداد السور حتى منتصف أرض الصهاريج وعلى مسافة عدة أمتار من الصهريج الأوسط، توسع البسط والبناء العشوائي (رأسيا) على المدرجات الجبلية المحاذية للسور والمطلة على الصهاريج، والتي تحتوي على سواقي لانسياب مياه الأمطار عبرها إلى الأحواض، كما تم بناء بعض هذه العشوائيات على هذه الممرات المائية (السواقي)، وآخر مشاهداتي فإنه لا يوجد لهذه المباني العشوائية طريق مشاة أو سيارات إلا عبر أرض الصهاريج، وبالفعل يدخلون ويخرجون عبرها وكأنه حق مكتسب، وقد شاهدنا مشروع طريق يتم تشييده داخل أرض الصهاريج ويستخدم الآن لمصلحة هذه العشوائيات». 

وضع آراء
واستطرد: «وفي نهاية الزيارة ومن هول ما شاهدناه، تم وضع عدد من الآراء وهي: مطالبة السلطات الحاكمة بسرعة وضرورة اعتماد مشروع ترميم شامل لكامل منظومة الصهاريج، إضافة الى العشوائيات المنفذة في أرض وحرم الصهاريج، ومن هنا فإننا نطالب جميع السلطات القائمة وعلى راسها السلطات الامنية في محافظة عدن القيام بواجباتها الوطنية المناطة بها ومن أهمها الحفاظ على هذا الموروث الثقافي».
واختتم حديثه: «تم تداول خبر يفيد بأن محافظ عدن أحمد سالم رُبيع قد وجه بسرعة إزالة المباني العشوائية بحرم الصهاريج، في الوقت الذي شعرت بالارتياح، فقد ساورتني بعض الشكوك بجدية تنفيذ القرار عطفا على الوعود السابقة والعديدة من السلطة والتي لم تنفذ شيئاً منها حتى الآن، وفي حال لم تحرك السلطات ساكنا عندها يكون الامر لازماً بأن يقوم المجتمع بواجبه الوطني، بالقيام بحراك شعبي منظم يحدد في حينه للقضاء على هذه الآفة واقتلاعها من جذورها». 
وقد تواصلت «الأيام» مع مدير شرطة كريتر العقيد فضل الجحافي والذي أفاد بدوره بأن هناك حملة قادمة لإزالة المباني العشوائية التي تم بناؤها في حرم الصهاريج، وتجرى ترتيبات من قبل الجهات المعنية، ولكن لم يتم تحديد موعد ذلك.