عن الإرهاب والتطرف
المرشد الروحي للجيش الإسرائيلي الحاخام إيال كريم يقول إنه يجوز للجندي الإسرائيلي أن يغتصب نساء «الأغيار»، غير اليهوديات، من أجل ألا يعاني من الكبت الذي يقلل لياقته القتالية، ويؤثر على معنوياته.
هذا الحاخام يجيز قتل الأسرى، وهي جريمة حرب في كل القوانين الدولية، ويعلل لذلك بقوله «لا يمكن التعامل مع منفذي العمليات كبشر، كل من يشفق على المتوحشين سيصبح متوحشًا»، أي أن الحاخام الأكبر للجيش الإسرائيلي ينزع عن «منفذي العمليات» آدميتهم ليتم النظر إليهم على أساس أنهم لا شيء لتتم تصفيتهم براحة ضمير، وهذا ما يقوم به الجيش الإسرائيلي ضد من يحملون السكاكين بين الفلسطينيين.
ويزيد كريم في توحشه العنصري ضد العرب وغير اليهود بشكل عام بتأكيده على أن «معاملة غير اليهودي مثل اليهودي وإعطاءه الحقوق نفسها التي لليهودي مخالفة صريحة للتعاليم التلمودية».
أما الأب الروحي لحركة «شاس» الإسرائيلية وحاخام إسرائيل الأكبر عوفاديا يوسف، فيحرم بيع العقارات أو تأجيرها للعرب، وهو صاحب الفتوى في تحريم «تأجير الشقق للطلبة الفلسطينيين، داخل الخط الأخضر»، الأمر الذي عانى منه الطلبة من فلسطينيي 1948 أشد المعاناة، مع أنهم يعتبرون من مواطني دولة إسرائيل. الحاخام يوسف هو صاحب الفتوى المعروفة بوجوب طرد «الفلسطينيين» الأغيار إلى المملكة العربية السعودية، لأنه «لا يجوز أن يسكن في أرض إسرائيل إلا شعب إسرائيل». وهو الذي أفتى بعدم جواز بيع الأعضاء البشرية اليهودية، لأن «أجساد اليهود مقدسة».
المشكلة أن ما سبق من أقوال صادرة عن مراجع دينية كبيرة في دولة الاحتلال الإسرائيلي. والمشكلة الأكبر ربما لا تكون في الحاخامات أنفسهم، بل في كثير من «النصوص المقدسة» في التوراة والتلمود التي يبني عليها يوسف وكريم وأضرابهما مقولاتهم الدينية.
ومع ذلك، فكل تلك الأقوال لا تسلط عليها الأضواء، ولا يقول أحد إنها الأقوال المؤسسة لعنف المؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، وإنها هي التي تعطي المستوطنين التبرير الديني لأعمالهم اليومية المهينة للفلسطينيين، وإنها السبب في توحش جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في حروبه الاستئصالية ضد غزة.
الإعلام العالمي عادة يغض الطرف عن أقوال هؤلاء الحاخامات المتطرفين، لكنه يبرز كل ما يمكن أن يصدر عن أشخاص لا يمثلون مرجعية دينية عند المسلمين، فيركز على أن الشيخ الفلاني يحرم لعبة البوكيمون، وأن الآخر يدعو إلى «السيطرة على الغرب الكافر»، مع أن أغلب هذه الأقوال لا تصدر عن مراجع إسلامية في حجم الحاخامين يوسف وكريم.
الإعلام العالمي مشغول بقضايا الإرهاب الذي لم يحدد له توصيف دولي يسهل عملية محاكمة هذا الإرهاب من أي دين أو حضارة أو بلد كان. هذا الإعلام منشغل بأقوال أيمن الظواهري والبغدادي، وإبرازها في عناوين الصحافة ونشرات الأخبار، على أساس أنهما ممثلا المسلمين، من أجل حصر الإرهاب في المسلمين.
وهذا الإعلام يركز على ديانة «الإرهابي» عندما يكون مسلماً، لكنه لا يركز على ديانة الضحية، عندما يكون الإسلام دين الضحايا، وقد عرف الملايين ديانة منفذ هجوم ميونخ الأخير الإيراني المسلم علي سنبلي، لكن تلك الملايين تجهل حقيقة أن معظم ضحايا الهجوم كانوا من المسلمين.
والهدف من عمليات «المنتجة» تلك هو أن نصل إلى المعادلة التي يراد لها أن تكرس عالمياً، وهي أن الإرهابي هو المسلم، والضحية يعني بالضرورة غير المسلم، أو أن الإسلام هو دين الإرهابيين، بينما الديانات الأخرى هي ديانات الضحايا. لكن منتج هذه الصورة المفبركة لا يلتفت إلى أن معظم ضحايا الإرهاب هم من المسلمين، وأن أبشع العمليات الإرهابية قامت بها دول غير إسلامية تملك كل وسائل إرهاب الدولة الذي تمارسه بأغطية دولية فصلتها هذه الدول على مقاساتها.
لا نريد أن ندافع عن متطرفينا، ، ولسنا معنيين بالاصطفاف مع نصر الله والظواهري وقاسم سليماني والخليفة البغدادي. لكن أياً من المتطرفين المسلمين، مهما بلغ به تطرفه، لا يمكن أن يبلغ ما بلغه الحاخام كريم من تطرف وعنصرية وضمور دماغ.
قد يقول قائل إن الأقوال المتطرفة للأصوليين اليهود هي مجرد كلام نظري لا يتحول إلى واقع عملي، كما هو الحال لدى المتطرفين المسلمين الذين يحزون الرقاب، ويفجرون المنشآت، ويستهدفون المدنيين. وهذا الكلام صحيح في ظاهره، لكنه فاسد في التدقيق. وصحته الظاهرية تركن إلى أننا تعودنا على حصر الإرهاب في الأحزمة الناسفة، غير مدركين أن إرهاب الدولة يقتل أضعاف الأعداد التي يقتلها إرهابيو الأحزمة الناسفة.
كل الأعمال الإرهابية يجب أن تكون مدانة، لكن التركيز على العمل الإرهابي عندما يضرب باريس أو ميونخ أو بروكسل مثلاً ، وتجاهل هذا العمل عندما يضرب عدن، أو بغداد أو اسطنبول على سبيل المثال هو نوع من الانتقائية، التي تخفي وراءها ما يمكن أن يشم من ورائه رائحة تمييز بين ضحايا الإرهاب، على أساس العرق أو الجغرافيا أو الدين.
لكي نكون منصفين يجب أن ندين جميع الإرهابيين – دولاً كانوا أم أشخاصاً- من أي دين، وأن نتضامن مع جميع ضحايا الإرهاب من أية ملة كانوا.