ماذا تريد السعودية لـ"اليمن"؟

لم تزل تلك الصورة التي عرفتها عن موظف البرنامج السعودي لإعمار اليمن مؤثرة في جانب من عملي الصحافي، كان الموظف على موعد مع عائلة بمشارف الحُديدة اليمنية، لتسليم قوارب صيد مُقدمة منحة من البرنامج السعودي، وعلى الجانب الأيمن البعيد تلوح أغبرة الغارات الحوثية الإرهابية المتقدمة نحو تلك المناطق، وصوت نفير المعتدين يقترب أكثر وأكثر، غير أن الموظف السعودي لم يأبه، كان في مهمة إنقاذ حياة، حتى وإن خسر حياته.

في مركز عمليات إدارة البرنامج بمدينة عدن، سيطر الفزع والتوتر على زملائه، انهالت عليه الاتصالات القلقة تحثه تأجيل التسليم، لكنه عزم، وتوكل على الله، وفي نهاية المهمة، تمكن من عبور المنطقة المشتعلة إلى بر الأمان، فصار اسمه وموقفه حديث الفخر من أقرانه المحتفين بعودته سالمًا، وناجحًا.

لهذا المشهد الحقيقي والصادق، تبرز بجلاء نوايا وأفعال السعوديين تجاه اليمن، فلم تكن الآلة العسكرية التي قادها التحالف العربي بقيادة المملكة عملًا إرتجاليًا البتة، بل ضربة اضطرتها ظروف الغزو الحوثي على مدن وقبائل اليمن بغية إيذاء أوسع اشتمالًا، ومخطط مرتهن للجريمة الإيرانية الطامعة في أراضي العرب وثرواتهم، ومنها كانت العاصفة رادعة لجنون العظمة وغرور اللحظة وشرودها.

- في ملفات السعودية غير المعلنة خطوط عريضة وعناوين بارزة وتفاصيل دقيقة عن تنمية وشراكة وسِعة من فضل الله تعالى مع اليمن المُستقر، ولأن السعوديين لا يروق لهم الكلام المكرور، فحريّ بأطراف الصراع في اليمن إلتقاط تغريدة سابقة للأمير خالد بن سلمان وزير الدفاع السعودي تحدث فيها عن عضوية "مؤملة" لليمن في مجلس التعاون الخليجي، وهو المجلس الذي يُراد له التطور إلى صيغ أكثر فاعلية كـ الإتحاد الاقتصادي والدفاعي المشترك، بما يؤسس لبنك مركزي خليجي واحد وعُملة ورقية موحدة، وهذه طموحات يجري العمل عليها وقد تجاوز الأشقاء فيها خطوات متقدمة، ولا يجوز أن تبقى اليمن بعيدة عن اقتناص اللحظة التاريخية التي تُعيدها إلى مكانها الطبعي مع الجزيرة العربية، والاستفادة من تطور المنطقة ورفاهيتها.

- لقد حاولت أنظمة سابقة تجاوز الجوار العربي ومدّ أيديها إلى البعيد، فلم تربح شيئًا سوى العزلة، وخسارة عقود من العُمر، وعقود مع الصناعة، والرفاهية، وها هي مؤشرات الإعمار تسري في المناطق المُحررة بحظوة ملكية سعودية أسست البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن الذي أنجز طوال مسيرته المخصصة لليمن مشاريعًا نوعية عظيمة، غير أن بلادنا تحتاج ما هو أكثر من ذلك الإعمار.

- إنه الأمن، واستقرار النظام السياسي، والمصالحة الوطنية الشاملة، وإدراك أن اليمن يتسع للجميع، غير أن ميليشيا الحوثي لا تؤمن بكل هذا، فبالإضافة إلى أنها عود ثقاب في يد الغير، فالعقيدة الحوثية العنصرية لا تسمح بأي شراكة داخلية إن لم تكن صيغة عبودية وإمتهان

- الملف اليمني مُعقّد، وفي تقديري أن أي احتراب داخلي يمني كان بالمقدور احتواءه في أشهره الأولى، إلا فكرة الحوثي وطبيعتها وأساسها العنصري الخطير لا يمكن أن تدعم أي استجابة لا تجعلهم وحدهم القابضين الحصريين على كل وظائف الدولة والمجتمع، فيما يُنفى الشعب اليمني إلى القرى والأرياف بعيدًا عن ممكنات الحضارة والتعليم والنور الحقيقي.

وإلى لقاء يتجدد ،،

مقالات الكاتب