القبيلة وعدن المدنية

تمكن البكري من استخدام القبيلة كقوة ضغط لتحريك قوة القانون لإنصافه، من قبيلي مسلح، حاول قتله وقتل طفلته حنين.

وبعد أن تشجعت المحاكم في محاكمة قبيلي مسلح، ونفذت فيه القانون، تحركت القبيلة الأخرى، لتقاوم تنفيذ القانون، وتضغط على القبلي ليخضع لأعرافها.

في تراجيديا سوداء تعيشها عدن، من سلطة القبيلة التي عكرت صفو المدنية فيها، وحالة التعايش والسلم الأهلي، والسلام بين فئات المجتمع المدني المتعدد الأعراق والثقافات والأطياف والعقائد.

القبيلة مكون مجتمعي مبني على المناطقية، ويستند للقوة المسلحة، وهي من بقايا أدوات ما قبل الدولة، تربطها أعراف خاصة، ترتكز تلك الأعراف على حماية القبيلة وافرادها، ومع تطور الصراع اليوم تحاول القبيلة أن تكون بديلا للدولة، وبالتالي أصبحت القبيلة جزء من الصراع على السلطة والثروة، ونعاني اليوم من عقلية قبلية تراها بوضوح في ثقافة (جماعتنا وجماعتهم).

المدينة مجتمع مدني، متنوع الأعراق والأطياف والثقافات، يضبطه عقد اجتماعي (دستور) يحكم الإرادات الحرة بالمجتمع، يتنازلون فيه عن قدرتهم على تنفيذ أحكام الطبيعة بذواتهم أو بسند قبائلهم، ليضعوها في الإطار العام المتوافق عليه وهو العقد الاجتماعي، سلطة النظام والقانون.

وبذلك تدخل القبيلة في مجتمع مدني هو تعطيل حقيقي لدور أدوات المجتمع المدني، وتعطيل لقوة القانون، ومن مؤشرات ذلك التعطيل ان تجد قبيلي صدرته القبيلة لعدن ليدير النقابات، ويتحكم بمنظمات المجتمع المدني، وأجهزة الاعلام، ومدعوم من رأس السلطة القبلية التي تحكم عدن والبلاد.

حتى وإن وجد من أبناء القبائل المتنورين والمثقفين والأكاديميين، فسلطتهم محدودة في حدود الترويج لمدنية النظام المفقودة، ولا سلطة لهم في القرار، مع احترامنا لتعاطفهم.

استخدمت القبيلة استخدام خاطئ، عندما تحولت لبندقية بيد ثورة تسعى لبناء دولة، وإذا بالدولة يديرها مجموعة قبائل، تصارعوا من أجل السلطة، وكانت عدن ضحيتهم، اول ما استهدفوا نظام عدن المدني، والتعدد السياسي والثقافي والعرقي، وجعلوا من عدن ساحة صراع للقبيلة، ما زلت لليوم تعاني هذا الصراع وحكم القبيلة، وثقافة جمعتنا وجماعتهم الرثة.

وما زال المجتمع المدني بعدن يقاوم، ويحاول أن ينهض من بين ركام ومخلفات الصراع القبلي، وآثاره والوخيمة، تلك الآثار التي ما زال معالمها في سلوكيات وثقافة البعض من المؤيدين والمتضررين معا، الذين هم أدوات استمرار بقاء القبيلة، يستدعونها من بين حين واخر، بخطابهم المعادي والتماهي.

لا يمكن لعدن ان تنهض إلا باستعادة مجتمعها المدني وادواته التنموية، دون ذلك ما هو إلا صراع عبثي يعطي للقبيلة حق البقاء للدفاع عن ادواتها، ويعطي للعنف مبرر وجوده، دون رادع حقيقي يوقف كل هذا التراجيديا السوداء، وهو النظام والقانون وأدوات المجتمع المدني.

لا نحتاج غير تعزيز دور المجتمع المدني واستعادة ادواته التنموية من نقابات ومنظمات مجتمع وجمعيات ونوادي ومنتديات لتقوم بمهمها الرافض للتدخل القبلي في الشأن الدولة، المعزز لثقافة المناطقية والطائفية والعنصرية والشللية والفئوية وثقافة جماعتنا أو جماعتهم.

معا نحو دعم وتعزيز دور المجتمع المدني، وأدواته التنموية، والتصدي لأي محاولات فرض واقع قبلي مغاير لترسيخ روح الدولة المدنية، والله الموفق. 

مقالات الكاتب