بداية الانقسام وظهور الأجنحة..
تحولات المؤتمر الشعبي العام في 40 سنة (2)
الثورة والحرب
بالنظر إلى التأّزم الداخلي والظروف الخارجية فقد اندلعت الثورة الشعبية اليمنية بداية العام 2011 مطالبةً بإسقاط نظام صالح، وشهد المؤتمر هزة عنيفة بعد انشقاق عدد كبير من قياداته وقواعده وانضمامهم للثورة، وبينهم قادة عسكريون وسياسيون وسفراء ووزراء، غير أن المؤتمر بقيادة صالح بقي متماسكاً، وقد استعاد أنفاسه مع مرور الوقت، ومن ثم بدأ بالمناورة مع القوى السياسية مستفيداً من حالة الجمود التي وصلت إليها البلاد بعد أشهر من اندلاع الثورة، حتى تدخلت المملكة العربية السعودية وبقية دول الخليج، وبذلت جهودها من أجل الوصول إلى تسوية سياسية، وبالفعل تم الاتفاق على التوقيع على آلية نقل السلطة من صالح إلى نائبه عبدربه منصور هادي، وتشكيل حكومة (وفاق وطني) مناصفة بين المؤتمر والمعارضة، والترتيب لحوار وطني شامل بمشاركة مختلف القوى السياسية اليمنية.
وعلى الرغم من تأكيدات الرئيس السابق صالح وقيادات حزبه على دعم الرئيس الجديد عبدربه منصور هادي- الذي يعتبر الرجل الثاني في المؤتمر، إذ يشغل منصب النائب الأول- الأمين العام للمؤتمر، إلا أن الملاحظ أن بيانات صالح ولقاءاته الإعلامية والجماهيرية وتغطيات وسائل الإعلام الموالية له، كانت تتبنى موقفاً معارضاً للسلطة الجديدة التي يستأثر المؤتمريون بأكثر من النصف فيها. وظهر ذلك منذ مارس/أذار 2012، بعد أيام فقط من تسلم الرئيس هادي مهام الرئاسة عقب الانتخابات التوافقية التي أجريت في 21 فبراير/شباط 2012، وفقاً لاتفاقية نقل السلطة (المبادرة الخليجية) التي تضمنت منح صالح وأنصاره حصانة برلمانية من أي مساءلة قانونية عن فترة حكمه، وقد صدر قانون الحصانة عن البرلمان في يناير/كانون 2012.
انعقد مؤتمر الحوار الوطني في الفترة من مارس/أذار 2013 حتى يناير/كانون ثان 2014، بمشاركة المؤتمر الشعبي وحلفائه (نحو خمسة أحزاب صغيرة)، الذين كان لهم نصيب الأسد في أعضاء مؤتمر الحوار، 112 عضوا من إجمالي عدد المشاركين البالغ 565، وخرج بوثيقة تضمنت الحلول والمعالجات لمختلف القضايا والإشكاليات التي تعاني منها البلاد، ومنها الصراعات السياسية ومعوقات بناء الدولة، بالإضافة إلى التوافق على اختيار شكل الدولة ووضع الأسس اللازمة لها، وفي مقدمتها الدستور الذي بدأ العمل على إنجازه وإعداده للاستفتاء عليه.
بعد انتهاء مؤتمر الحوار الشامل تسارعت وتيرة الأحداث، وبدأت عجلتها تسير في اتجاه مغاير لما تم الاتفاق عليه، خاصة وأن جماعة الحوثي الشيعية المسلحة المدعومة من إيران أخذت في التوسع متجاوزة مناطق وجودها وسيطرتها في بعض مناطق محافظة صعدة، وخاضت سلسلة من الحروب الهادفة لاجتياح المناطق في المحافظات الشمالية، مستفيدة من الدعم الإيراني الذي يشمل الخبرات والتسليح والتدريب، كما أن الحوثيين استغلوا حالة الصراع والمكايدات بين القوى والأطراف السياسية اليمنية، حتى تمكنوا من السيطرة على العاصمة صنعاء أواخر العام 2014، والاستيلاء على مؤسسات الدولة بما فيها الجيش والأمن والبنك المركزي وكافة موارد الدولة.
في الفترة التي كان الحوثيون يعملون على توسيع رقعة سيطرتهم كان المؤتمر الشعبي العام قد بدأ يعاني مظاهر الانقسام لأول مرة، ففيما كان جزءاً منه مشاركاً في الحكومة التي يهاجمها الحوثيون، كان قطاع واسع من المؤتمريين بقيادة الرئيس السابق علي صالح- رئيس المؤتمر، يهاجمون الحكومة ويعملون على توفير الدعم السياسي والإعلامي للحوثيين، وقد انخرطت قيادات مؤتمرية ضمن حركة الحوثيين، واتضح أن صالح دعم الحوثيين نكاية بخصومه، وفي محاولة منه للعودة للسلطة – ولو عن طريق التحالف مع الجماعة التي خاضت ضده 6 حروب بين عامي 2004 و 2010.
وفي نوفمبر/تشرين 2014 أصدر مجلس الأمن الدولي قراراً بفرض عقوبات على رئيس المؤتمر علي صالح، واثنين من قيادات الحوثيين، بتهمة عرقلة التسوية السلمية وتهديد السلم والأمن، وعلى الفور سارعت قيادة المؤتمر الموالية لصالح لإقالة الرئيس هادي ومستشاره السياسي عبد الكريم الإرياني من موقعيهما في حزب المؤتمر، حيث يشغل الأول نائب رئيس المؤتمر وأمينه العام، ويشغل الثاني نائبا لرئيس المؤتمر، واتهمت قيادة المؤتمر الرئيس هادي بوقوفه خلف القرار الصادر عن مجلس الأمن وقالت إنه جاء بناء على طلبه.
بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء بدا تحالف صالح مع الحوثيين أكثر وضوحاً، سيما بعد صدور قرار مجلس الأمن الذي وضع صالح مع قيادات حوثية ضمن معرقلي التسوية السياسية، ومع نشوب الحرب الشاملة، وتدخّل التحالف العربي لدعم الشرعية في مارس/أذار 2015، غدا صالح وأنصاره المتحالفون مع الحوثيين هدفاً لغارات التحالف، خاصة وأنهم يُشكّلون قوةً ضاربةً ضمن جيش الحوثي. وفي الجانب الآخر أعلنت قيادات في المؤتمر وقوفها إلى جانب الرئيس هادي والشرعية ضد الانقلاب الحوثي.
مؤتمر واحد وأجنحة متعددة
بدأت مؤشرات الانقسام داخل المؤتمر لأول مرة عقب انتقال السلطة من صالح إلى هادي، حيث بدأ يظهر المؤتمر كما لو كان كائناً يحمل رأسين، رأس يحكم ورأس يعارض، يمثل هادي الرأس الأول، ويمثل صالح الرأس الثاني، وانعكس ذلك على قيادات المؤتمر وقواعده، وفيما بدأ بعضهم يوالون الرئيس هادي، انخرط آخرون في حركة الحوثيين الذين كانوا يعملون جاهدين لتقويض التسوية السياسية وإسقاط الحكومة، وإفشال المبادرة الخليجية باعتبار ذلك محاربة لما يسمونها "الوصاية السعودية"، بدعم إيراني مكشوف، تسعى طهران من خلاله لاستهداف خصومها في السعودية وبقية دول الخليج العربي.
ومع أن حركة الحوثيين كانت تستهدف الحكومة والرئيس الجديد، إلا أن خطابها كان في الغالب يشدد على استهداف حزب الإصلاح وحلفائه من القبائل والقادة العسكريين الذين وقفوا مع الثورة في العام 2011، لذلك فقد وجد صالح في الحوثيين ضالته، لأنهم سيعملون على تقويض خصومه من الإصلاحيين وحلفائهم الذي أعلنوا الوقوف مع الثورة، وعلى رأسهم القائد العسكري الأبرز علي محسن الأحمر، وشيوخ قبيلة حاشد من آل الأحمر.
توسعت المواجهات بين القوات الحكومية والحوثيين الذين استفادوا من الدعم الخارجي الإيراني، والدعم الداخلي الذي يقدمه أنصار صالح، ومع ذلك فقد استمر الموقف المعلن للمؤتمر الشعبي يتبنى الحياد فيما يعتبرها صراعات بين "أطراف سياسية وعسكرية"، حتى عندما كانت الحرب بين الجيش والحوثيين تقترب من صنعاء، ظلت بيانات المؤتمر تدعو "التجمع اليمني للإصلاح وأنصار الله (الحوثيين) إلى تحكيم العقل وعدم الاقتتال". دون أن ينسى المؤتمريون التأكيد على "وقوفهم على مسافة واحدة من جميع الأطراف".
وعلى الرغم من تبني صالح موقفاً داعماً للحوثيين بشكل مباشر حيناً، وبشكل غير مباشر أحياناً أخرى، فقد أعلنت قيادات مؤتمرية مواقف مناهضة للحوثيين، وأعربت عن رفض التحالف معهم، أمثال محافظ عدن الأسبق عبد العزيز بن حبتور الذي بادر لتجميع محافظي المحافظات إلى عدن لتبني موقف رافض للانقلاب الحوثي باسم السلطات المحلية في مختلف المحافظات، (فيما بعد غيّر موقفه وتحالف مع الحوثيين، وهو يشغل منذ أغسطس/آب 2016 رئيساً للحكومة الموالية لهم)، والوزير السابق/ أحمد الميسري، وعدد من قيادات المؤتمر في عدن ولحج وأبين، ومنهم أعضاء في البرلمان ومسؤولون تنفيذيون وقيادات عسكرية وأمنية.
ومع كل تقدم يحققه الحوثيون في الميدان كانت تتجلى حقائق دعم صالح وأنصاره، حتى ظهر التحالف أكثر وضوحاً بعد مغادرة الرئيس هادي صنعاء إلى عدن، حين أعلن صالح – كما فعل زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي- شنّ الحرب على محافظات الوسط والجنوب تحت دعوى محاربة داعش والقاعدة، وتزامن الخطابان مع بدء مهاجمة الحوثيين وقوات صالح محافظات تعز وإب والضالع ولحج وعدن وأبين في مارس/ أذار 2015. وهو ما أدى لتدخل التحالف العربي الذي أعلن عن عملية عسكرية باسم "عاصفة الحزم" لدعم الشرعية ومواجهة الانقلاب.
أصبح صالح والموالون له داخل المؤتمر جزءا من تحالف الانقلاب الذي قاده الحوثيون وصارت القوات الموالية لصالح ضمن القوات التي يحركها الحوثيون لاجتياح المحافظات، وبعدما تعرض منزل الرئيس صالح لغارات جوية من مقاتلات التحالف العربي أعلن تحالفه مع الحوثيين في حديثٍ متلفز، كما صدرت بيانات ومواقف تؤكد هذا التحالف، بل إن قيادة المؤتمر الموالية لصالح اعتبرت المؤتمريين الداعمين للشرعية مخالفين لأنظمة المؤتمر، وموقفهم "يخالف الميثاق الوطني ونصوص النظام الداخلي ومواقف المؤتمر الشعبي العام وقرارات هيئاته التنظيمية". وأصدرت قيادة المؤتمر قراراً يقضي بـ"أنه لا يحق لأي أحد التحدث باسم المؤتمر الشعبي العام، أو تمثيله في الداخل أو الخارج، مهما كانت صفته القيادية إلا بتكليف من هيئاته في الداخل ممثلة بلجنتيه العامة والدائمة".
وبدا وضحاً من هذه القرارات أن صالح وأنصاره أرادوا قطع الطريق على قيادات المؤتمر التي أعلنت وقوفها مع الشرعية، لذلك سرعان ما عقد عدد من قيادات المؤتمر اجتماعاً لهم في العاصمة السعودية الرياض بقيادة الرئيس هادي، وأقر الاجتماع الذي عقد أواخر أكتوبر/تشرين 2015، عزل الرئيس السابق علي صالح من رئاسة المؤتمر، واختيار هادي رئيسا جديداً للحزب، وأحمد بن دغر نائباً أول لرئيس المؤتمر، وعبدالكريم الإرياني نائباً ثانياً، (توفى في نوفمبر/تشرين 2015).
في المفاوضات التي كانت تجري بين الحكومة الشرعية والانقلابيين كان أنصار صالح يشاركون مع الحوثيين في وفد واحد، يقابله وفد آخر يمثل الحكومة الشرعية، ومنها مفاوضات جنيف الأولى في يونيو/حزيران 2015، ومفاوضات جنيف الثانية ديسمبر/كانون 2015، وكذلك في مفاوضات الكويت التي استمرت قرابة 5 أشهر في العام 2016.
وفي يوليو من العام نفسه وقع المؤتمر الشعبي العام بقيادة صالح مع الحوثيين على اتفاق يقضي برفع مستوى التنسيق، و"تشكيل مجلس سياسي أعلى يتكون من عشرة أعضاء من كلٍ من المؤتمر الشعبي العام وأنصار الله (الحوثيين) بالتساوي، بهدف توحيد الجهود لمواجهة العدوان السعودي وإدارة شؤون الدولة".
في مقابل تحالف صالح مع الحوثيين باتت قيادات رفيعة في المؤتمر مع عدد كبير من قواعده يقفون في صف الشرعية برئاسة هادي، وعلى الرغم من محاولة صالح وأنصاره احتكار الحديث باسم المؤتمر فقد كان الموالون للشرعية يعتبرون أنفسهم ممثلين للمؤتمر ولهم فيه مناصب رفيعة أمثال رئيس الوزراء السابق الدكتور/ أحمد عبيد بن دغر الذي يشغل حالياً رئيس مجلس الشورى إلى جانب كونه نائب رئيس المؤتمر، والشيخ سلطان البركاني- الأمين العام المساعد للمؤتمر، ويشغل حالياً رئيس مجلس النواب، ومنذ تشكيل مجلس القيادة الرئاسي مطلع أبريل الماضي (2022) أصبح أهم شخصية في المؤتمر الداعم للشرعية هو الدكتور/ رشاد العليمي باعتباره رئيس مجلس القيادة الرئاسي.
ويُعدُّ المؤتمر الشعبي – جناح الشرعية، أحد أحزاب التحالف الوطني للقوى السياسية اليمنية، الذي تأسس في أبريل 2019، بهدف دعم الحكومة الشرعية واستعادة الدولة، ويضم 16 حزباً ومكوناً سياسياً أبرزها المؤتمر الشعبي العام والإصلاح والاشتراكي والتنظيم الناصري.