ليلة القدر!

دخلتُ البارحة بالوالدة أحد المستشفيات الخاصة للاطمئنان على قلبي .. أقصد قلبها الطفل!

كان الاستقبال فوق الخيال!

مازلتُ ثمِلاً حتى اللحظة

الأستاذ خالد؟ يتساءل الإداري الشاب غير مصدّقٍ عينيه! يضيف بتأثّر :

كان عمري 10 سنوات حين تمنيتُ لقاءك!

أنت أخي وأبي وأستاذي!

كنتُ مندهشاً مأخوذاً .. من أين أطل هذا الملاك؟

دقيقة واحدة وكنّا عند طبيبة القلب الرائعة الدكتورة نورة التي أجرت كل فحوصاتها بعنايةٍ دقيقة .. الإيكو وعشرة فحوصات أخرى بينما كنتُ أنتظر في مكتبها الأنيق.

دكتورة تفخر بها البلاد!

نزلت للإدارة وطلبتُ فاتورة الفحوصات ، فإذا بفارس وهو الشاب نفسه الذي استقبلنا قبل ساعة يُقسِم بأنه لن يستلم مني ريالاً واحداً! هو يُقسِم وأنا أقسِم! ربع ساعة بلا مبالغة من القسَم والقسَم المضاد حتى خجلت من الموجودين! وأخيراً انصاع على مضض شريطة أن يقوم بتخفيض المبلغ! وعُدتُ أقسِم مرةً أخرى!

غادرتُ المستشفى وركبتُ السيارة بصحبة الوالدة وأنا ثمِلٌ بدهشة لا أظنها ستفارقني .. دهشة أحِبُّها! 

في الطريق قالت الوالدة لو تشتري خضاراً كاملة لأن البائعين يقفلون في العيد.

وقفتُ عند محل ونزلت ، كان المطر خفيفا حين سمعت صوت صاحب المحل الشاب مبتهجاً .. الأستاذ خالد! ثم أقبل بوجهه البشوش معانقاً! ماذا حدث للناس؟

من أين أنت يافتى؟ من تعز .. من شرعب يا أستاذ! أعمل مصوّراً وهذا عمل إضافي كي نعيش. قبل كل شيء أريد صورة معك سيلفي! اشتد المطر فوق رأسينا وأنا أحاول أن أبتسم حتى تطلع الصورة حلوة خصوصاً والرأس النبيل رأس مصوّر!

فتح فتى شرعب عدة أكياس كبيرة من البطاطس ليختار أكبر حبّات البطاطس لي حتى جمع عشرين كيلو .. ومثلها طماط وبصل وفاكهة! وحمل كل ذلك إلى سيارتي.

قلتُ له كم الحساب؟

قال والله لن تدفع ريالاً واحداً!

كيف .. هل أنت مجنون؟

أنا أقسِم وهو يُقسِم! والمطر يشتد! بينما الوالدة تراقب من خلال زجاج السيارة مستغربةً علام هذا الصياح؟!

فتى شرعب الضخم العنيد أمضى قسَمَه ودخل المحل مغلقاً أي بابٍ للمراجعة!

ترددتُ طويلاً قبل أن أكتب لكم هذه التفاصيل.

ترددتُ ، ربما لشعوري أن البعض لن يفهمني كما يجب حين أكتب والأهم والأخطر لن يفهم عظمة مشاعر ونُبل شعبٍ عظيم كما رأيت وخبَرت .. شعب تكالبت عليه ظروفٌ وساسةٌ ودوَلٌ وخيانات وتجويعٌ وترهيبٌ حتى بدا هذا الشعب العريق متوحشاً ميّتَ الإحساس!

ترددتُ طويلاً ، لأنّ ما حدث بالنسبة لي أكبر من الكلمات وأعظم من أي شكر أو امتنان!

لم أذكر اسم المستشفى ولا الأسماء كاملة!

ربما لأن ذلك سهلٌ ويفعله كثيرون

ما لدَي وفي قلبي مالا تكتبهُ الكلمات

وربما كان الأحرى بي أن أحتفظ به في شغاف القلب هانئاً كامناً حيث يجب أن يكون!

لكنني ٱثرت مقاسمتكم عظمة تلك الدقائق

ربما ، لأنها منكم وإليكم بدايةً ونهاية

وحتى نعيد اكتشاف معدن وأصالة شعبٍ كريمٍ نبيلٍ ظلمه القريب قبل البعيد. ظلمه الشقيق قبل الصديق.

البارحة احتفلت الملايين بليلة القدر .. أمّا أنا فقد احتفلَت هي بي وبقلب أمي في ساعةٍ لن أنساها ما حييت!

وكان المطرُ رذاذاً رِهاماً وما يزال!

مقالات الكاتب