هذا هو سبتمبر وتلك هي الإمامة

لم تكن ثورة 26 سبتمبر لحظة طائشة أو مصادفة مِن مصادفات التاريخ. كانت لحظة اجتراح عبقرية مِن لحظات التاريخ اليمني. كلحظة إشراق ونور مبتلج بعد عتمة قاسية. لم تكن سهلة التحصيل. بل تولدت بالمثابرة والتجريب والتعديل. أو بالمعنى العلمي بالتجربة والخطأ. ولكن بأي أثمان لتلك التجارب في الخلاص مِن نير الامامة؟ كان الثمن في كل مرة هو جماجم خيرة اليمنيين وأشجعهم واكثرهم طموحا. أو في أحسن الاحوال السجن المظلم والقيود الثقيلة على الاقدام لكل عالِم جسور. ومن يحالفه الحظ وجد نفسه منفيا يقاسي الغربة والتشرد واحيانا الجوع والبرد وأهل تركهم في بلاد الحاكم الفاجر. 

ثم جاء سبتمبر بمواعيد كثيرة اقلها أن من أراد أن يتعبد الله فلا يتقرب اليه بتقبيل أقدام وركب مِن يدعون الاصطفاء. ومن أراد أن يعلم أبناءه فعليه أن يذهب بهم الى أقرب مدرسة متوفرة. ومن أراد مزيدا مِن الحياة وجدها بالتطبيب المتيسر وأمل كبير. 

إذا لم يكن هناك مِن حسنات لهذه الثورة فتكفي حسنة التعليم. إذ والجمهورية تكابد الإماميين مِن أجل البقاء انجزت في اول عشر سنوات (هي سنوات حرب بالطبع) 800 مدرسة في عموم محافظات الشمال. بعد أن كانت هناك خمس مدارس فقط لا غير في بلاد أربعة الى خمسة ملايين آدمي. ثم تتالت الطرق والمستشفيات. 

وبعد عشر سنوات أيضا ارتفع متوسط أمل الحياة الى أربعين عاما للفرد بعد ان كان اقل مِن ثلاثين عاما. أي أن اليمني كان يربح سنة إضافية لعمره مع كل عام يمر مِن أعوام الجمهورية حتى بلغ متوسط أمل الحياة أعلى مِن 65 سنة. 

كان اليمنييون يموتون مقصوفي الأعمار ينهشهم الموت جوعا ومرضا وخرافات آل البيت. مِن يصدق أن متوسط عمر الفرد في العراق صبيحة ثورة 26 سبتمبر كان ضعف متوسط عمر الفرد في اليمن بالتمام والكمال. 

لم تكن الإمامة مجرد نظام سياسي فقط يختلف في تصوره لمعادلة الحكم وموقع الحاكم وفلسفة ادارة البلاد. كانت قرينا للذل والهوان والاستلاب للمواطن. هذا ليس تجنيا او تورية. لم تكن مفردة مواطن ضمن قاموس المجال العام ولا تندرج في أي موقع مِن خطاب الحكم. هناك حاكم باسم الله مقدس سلاليا وهناك رعايا عليهم أن يقاسموه وجنوده لقمة عيشهم التي بجنوها مِن الكد والفلاحة. لذا فإن ثورة 26 سبتمبر مفارقة تاريخية وأكبر مِن التشكيك والتقليل مِن شأنها. وهي تستحق التأمل والدراسة والاحتفاء. ربما الوقت كان كفيلا بأن يهيل عليها التراب نتيجة فشل الأنظمة المتعاقبة في تحقيق أهداف الثورة والوصول الى المأمول ويضعها موقع علامة تاريخية كغيرها مِن علامات توالي الأحداث في بلاد أي بلاد. لولا أن الإماميين الجدد وأعوانهم قليلي الثمن دفعوا الناس أفواجا إلى استعادة معاني سبتمبر والتشبث بهذه الثورة ومنجزاتها الاجتماعية والسياسية وإدراك حقيقة معاناة الأوائل والأجداد في عهد الكهنوت الامامي. 

أراد الاماميون الجدد دفن 26 سبتمبر بسبتمبرهم الخاص. وأعلنوا عملهم اللعين ثورة. فتوالت النكبات على الشعب وتضخم قبحمهم وانكشفت عورتهم. فلم يحصد الشعب مِن انقلابهم إلا الجحيم وعودة أمراض وجوع الامامة وبطشها على الضعفاء وتأليه بشر هو اجهل الناس وأكثرهم ادعاءً. 

ذكرى 26 سبتمبر هي أكثر مِن فرح جماعي. إنها ميلاد أمة وهي وقع حوافر الحصان الذي حمل اليمنيين مِن القرون الغابرة إلى القرن العشرين دفعة واحدة وبوثبة واحدة كانت تبدو أنها مِن عمل الخيال والتوهم لكن رجالا بواسل بخيال جامح وعزيمة فولاذية جعلوا الحلم حقيقة بدمهم وعرقهم. فلا تفرطوا بثورتكم. باركوها واعملوا لأجلها وغنوا لها وتمنوا النصر للرجال في الجبهات.

#كتابات_خالدة